المدرسة المستنصرية تاريخها ونظامها ومؤسسها

المدرسة المستنصرية تاريخها ونظامها ومؤسسها

تأثرت المدرسة المستنصرية القديمة بحملة المغول التي اجتاحت بغداد بقيادة هولاكو خان عام 656هـ / 1258م بعد فترة وجيزة من بنائها.

الخليفة المستنصر بالله

هو أبو جعفر، المستنصر بالله، المنصور بن محمد الظاهر، والذي ولد في عام 1192م، وحكم الدولة العباسية بين السنتين 1226 - 1242م، وقد ولد منصور المتنصر بالله من جارية تركية، وقد برزت فطنته في طفولته، فكان يناديه جده بالقاضي، لوفرة عقله، ولي الحكم بعد وفاة أبيه الظاهر بأمر الله، فنشر العدل بين الناس، وأقام شرع الله، وحارب الفساد، وقرب العلماء من بلاطه، وأغدق على العلم وأهله، ومن صور اهتمامه بالعلم، أنه بنى المدرسة المستنصرية القديمة، وقال الموفق عبد اللطيف: "بويع أبو جعفر فسار السيرة الجميلة وعمر طرق المعروف الدائرة وأقام شعائر الدين ومنار الإسلام واجتمعت القلوب على محبته والألسن على مدحه." وتاليًا يتم الحديث عن المدرسة المستنصرية القديمة.

المدرسة المستنصرية القديمة

تُعد من أقدم الجامعات الإسلامية، ومن أعظم الأعمال الحضارية التي قامت بها الخلافة العباسية في أخريات أيامها، وقد كانت المدرسة المستنصرية القديمة واحدة من ضمن ثلاثين مدرسة موزعة في انحاء بغداد، والتي كانت عاصمة العلم والأدب، بل من أكبر عواصم العلم في العالم حينها، وقد شرع الخليفة المستنصر بالله في بناء المدرسة ببغداد على شط نهر دجلة عام "625 هـ / 1227م"، وقام على بنائها وتشييدها أستاذ دار الخلافة محمد بن العلقمي، وبلغ ما أنفق على المدرسة المستنصرية القديمة 700 ألف دينار، وابتدأت مراسم افتتاحها والشروع بالدراسة فيها في تاريخ "5 من رجب 631 هـ / 6 من إبريل 1233م"، وكان يوم افتتاح المدرسة المستنصرية القديمة يومًا مشهودًا أقيم فيه احتفال كبير بهذه المناسبة، وعمّ الفرح أرجاء بغداد، وتاليًا تذكر بعض التفاصيل التي تخص المدرسة المستنصرية القديمة.

تاريخ المدرسة المستنصرية القديمة

مرت المدرسة المستنصرية القديمة بالعديد من الأحداث، إذ ظل التدريس قائمًا فيها مدة أربعة قرون، منذ افتتاحها "631هـ / 1233م" حتى عام "1048هـ / 1638م"، وإن تخلل ذلك فترات انقطاع، فقد تأثرت المدرسة المستنصرية القديمة بحملة المغول التي اجتاحت بغداد بقيادة هولاكو خان عام 656هـ / 1258م بعد فترة وجيزة من بنائها، فدمرت مكتبتها وهجرها عدد من علمائها إلى مصر وبلاد الشام وغيرها، وكان الإيقاف الأول لمسيرتها أثناء احتلال المغول لبغداد سنة "656هـ / 1258م"، وتعطلت الدراسة فيها قليلًا، ثم عاد إليها نشاطها من جديد، وظلت الدراسة قائمة بالمستنصرية بانتظام بعد سقوط بغداد نحو قرن ونصف قرن.

ثمّ تعطلت الدراسة بها وبغيرها من مدارس بغداد، بسبب تدمير تيمورلنك لبغداد مرتين، وكانت المرة الأولى عام "795هـ / 1392م"، والأخرى في سنة "803هـ / 1400م" حيث قضى القائد المغولي تيمورلنك على مدارس بغداد، ونكّل بعلمائها، وأخذ معه إلى سمرقند كثيرًا من الأدباء والمهندسين والمعماريين، وكانت مسيرة احتلالاته شبيهة بحركة هولاكو خان الاحتلالية، وكذا سجية المغول الدموية، كما هجر بغداد عدد كبير من العلماء إلى مصر والشام وغيرهما من البلاد الإسلامية، وفقدت المستنصرية في هذه الهجمة الشرسة مكتبتها العامرة بآلاف الكتب وأصبحت أثرًا بعد عين، وظلت الدراسة متوقفة بعد غزو تيمورلنك نحو قرنين من الزمان حتى افتتحت للدراسة عام "998هـ /1589م"، ولكن لم تدم بها طويلًا، فعاد إغلاق أبوابها عام "1048هـ / 1638م".

نظام المدرسة المستنصرية القديمة

عنيت المدرسة المستنصرية القديمة بدراسة علوم القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والطب والرياضيات على نحو لم يعرف قبل ذلك، فقد خصص الخليفة المستنصر لدراسة الفقه الإسلامي بناية خاصة، تدرس فيها المذاهب الفقهية الأربعة مجتمعة لأول مرة في تاريخ المدارس الإسلامية، وجعل للطب بناية خاصة، ثم أضاف إلى مدرستي الفقه والطب دارين أخريين، دارًا للقرآن ودارًا للسنة النبوية الشريفة، وبذلك عمل الخليفة الصالح على تجميع المذاهب الفقهية الأربعة وعلوم القرآن والسنة النبوية وعلم الطب والعربية والرياضيات والفرائض، وجمعها في بناء واحد سمي بالمستنصري.

وبذلك سن الخليفة المستنصر بالله سنة حسنة، لم يعرف التاريخ الإسلامي لها مثيلًا، وهي تدريس المذاهب الفقهية الأربعة في المدرسة نفسها، فقد كانت المدرسة المستنصرية القديمة تعدّ أول جامعة في تلك العصور بتنظيم بارع، وبذلك تعرف حقبة إسلامية يجهلها أكثر المسلمين، والتي من الواجب الاطلاع عليها، لما فيها من تعريف بأمجاد المسلمين.

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع