أحمد الأول الخليفة العثماني الرابع عشر الذي حكم صبياً ومات فتياً

أحمد الأول الخليفة العثماني الرابع عشر الذي حكم صبياً ومات فتياً

رغم حداثة سنه عند توليه الحكم، إلا أنه أظهر جلدًا وحزمًا، وعمل بجدية في إدارة شؤون الدولة

-هو أحمد، بن الخليفة محمد الثالث، بن مراد الثالث، بن سليم الثاني، ولد عام (998هـ) وتولى الحكم عام (1012هـ) بعد وفاة والده ولم يتجاوز عمره الرابعة عشرة.

-رغم حداثة سنه عند توليه الحكم، إلا أنه أظهر جلدًا وحزمًا، وعمل بجدية في إدارة شؤون الدولة، فترك عادة سابقيه من السلاطين في عدم حضور جلسات الديوان وترك كل الأمور للوزراء، فدأب على حضور الجلسات بنفسه، وكان متدينًا، معتدلا في مظهره، شاعرًا، فارسًا، يستخدم السلاح بمهارة، حيث أمر بتشييد مسجد يحمل اسمه، وأقام مئذنة سابعة في المسجد الحرام بمكة بجانب المآذن الست الموجودة وقتها.

-حدثت في عهده عدة حركات تمرد ضد الدولة منها؛ حركة جان بولاد الكردي، الذي هزمته الجيوش العثمانية ففر إلى إيطاليا، كما قام الشاه عباس الصفوي باسترجاع عدة مدن من الجيوش العثمانية مستغلاً انشغال الدولة بمواجهة حركات التمرد.

-حين تولى الحكم كانت الدولة مشتبكة في حرب مع النمسا منذ سنة (1003هـ = 1594م)؛ بسبب قيام النمسا بالاعتداء على البوسنة، وقُتل حاكمها في معركة "سيساك" سنة (1002هـ = 1593م)، وكانت بداية الحرب سيئة بالنسبة للدولة العثمانية، ولحقت بها عدة خسائر، وفي عهده استعادت الجيوش العثمانية “إستركون” بعد حصار شديد بعد أن ظلت أسيرة في أيدي النمساويين عشر سنوات، كما استعادوا بعض القلاع، ووصل الجيش العثماني إلى أقصى الشمال الشرقي من المجر. فأدركت النمسا خسارتها في الحرب فطلبت الصلح، وكان هذا مطلبًا عثمانيًا حتى تتفرغ الدولة لحربها مع الصفويين، فعُقدت معاهدة بين الطرفين عُرفت باسم معاهدة “ستفاتوروك” في (10 من رجب 1015هـ = 11 من نوفمبر 1606م)، وانتهت بها تلك الحرب التي استمرت نحو ثلاث عشرة سنة ونصف السنة.

-وقعت الدولة العثمانية معاهدة صلح مع الصفويين، عرفت باسم معاهدة "استانبول" في (24 من شعبان 1021هـ = 20 من نوفمبر 16012م)، أنهت دامت نحو أربعة عشر عامًا بين البلدين، بدأت بهجوم الصفويين على تبريز في السنوات الأخيرة من حكم السلطان محمد الثالث، ونجح الشاه “عباس الكبير” في الاستيلاء على “تبريز”، ثم توغل في الأراضي العثمانية، وبمقتضى معاهدة الصلح استعادت إيران ما يقرب من 400,000 كم2 من الأراضي التي كانت قد استولت عليها الدولة العثمانية من قبل، بما فيها مدينة بغداد.

-جرت في عهده حروب بحرية بين السفن العثمانية وسفن الدول الأوربية، وكانت في الأغلب تنتهى لصالح أوروبا، لكن تمكن القائد خليل باشا من قصف سواحل إيطاليا وأعاد بعض الهيبة للأسطول العثماني، حيث أن مثل هذه الغارات قد انقطعت منذ 30 عاماً. أما فرنسا فقد تم تجديد الامتيازات الممنوحة لها بحيث أصبحت تفوق امتيازات الإنجليز والبنادقة، وأعطي ملك فرنسا حق حماية مسيحي القدس وما حولها.

-نجح وزيره مراد باشا القويوجي في إنهاء تمردات الجلاليين، كما نجح وزيره أوكوز محمد باشا في القضاء على فتن الطوائف العسكرية في مصر ، وإعادة الأمن بها بعد قضائه على المتمردين منهم وكسبه ود المماليك. وكان نجاحه في إقامة الصلح مع النمسا والصفويين قد أراح الشعب والجند من عاتق الحروب المتواصلة.

-أرسل السلطان أحمد الأول سنة (1019هـ = 1610م) الحاج "إبراهيم أغا" إلى لندن سفيرًا فوق العادة، وكان الغرض الحقيقي من ذهابه إلى أوروبا الغربية جمع الأندلسيين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى شمال إفريقيا فلجئوا إلى غرب أوروبا، وكان أكثرهم في عداد العبيد، وقد نجح الحاج إبراهيم في جمع العائلات التي تمكّن من العثور عليها، وقام بنقلها إلى الأراضي العثمانية، إذ وبعد مائة وعشرين سنة من سقوط "غرناطة" آخر معاقل الإسلام في الأندلس سنة (898 هـ = 1429م) لم يعد هناك مسلم في إسبانيا والبرتغال، بعد صدور مرسوم ملكي في إسبانيا باسم "فيليب الثالث" سنة (1018هـ = 1609م) ينذر فيه المسلمين الموجودين في إسبانيا بتركهم الأراضي الملكية خلال 72 ساعة، وكان هذا أمرًا مستحيلاً في هذا الوقت، وكان الغرض من القرار هو إفناء آخر من بقي من المسلمين. واستمرت هذه المأساة الدامية عشرة أشهر، قُتل في أثنائها نحو 400,000 (أربعمائة ألف) مسلم، وفر من تبقى إلى الجزائر، وتنصر بعضهم.

-أقام السلطان في ساحة "آط ميدان" بإستانبول مسجدًا عظيمًا يحمل اسمه، وتولّى الفنان الصداف "محمد أغا" مهمة إنشائه، وقد بدأ العمل في البناء سنة (1019هـ = 1069م)، وانتهى من تشييده بعد سبع سنوات ونصف السنة، ويعد هذا المسجد أرحب ما أنشئ من المساجد السلطانية، وأكثرها مآذن.

-استطاع السلطان أحمد الأول في الفترة الأخيرة من حكمه أن يكتسب خبرات واسعة، وأصبح سلطانًا ناضجًا عاقلا، وأظهر قدرات في الحكم أشبه بقدرات سلاطين الدولة العثمانية العظماء، لكن القدر لم يمهله فأصيب بالحمى في بطنه، ودام مرضه عدة أسابيع، ثم لم يلبث أن تُوفّي في (23 من ذي القعدة سنة 1026 هـ = 22 من نوفمبر 1617م)، ولم يكن قد أكمل الثامنة والعشرين من عمره.

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع