مدح الخليفة فوصفه بالكلب

مدح الخليفة فوصفه بالكلب

طرائف من البادية

وقف الشاعر العراقي البغدادي علي بن الجهم (804 - 863 م)، لأول مرة بين يدي الخليفة العباسي المتوكل، مادحًا، وهو الشاعر البدوي الفصيح المطبوع، فلم تسعفه قريحته بأجمل من هذا الكلام يقوله للخليفة:

أنت كالكلب في حفاظك للود

و كالتيس في قراع الخطوبِ

أنت كالدلو، لا عدمناك دلوًا

من كبار الدلا، كبيرَ الذنوبِ

دُهش الحاضرون في مجلس الخليفة من هذا الشاعر الذي يمدح الخليفة بأنه كالكلب في حفظه الود، وكالتيس في مواجهة المصاعب والأخطار، وكالدلو الذي يحمل الماء و يجلبها ــ كثير الذنوب ــ اي غزيرة من قاع البئر.

لكن الخليفة المتوكل لم يغضب، ولم تصبه الدهشة، و إنما أدرك بلاغة الشاعر و نبل مقصده وخشونة لفظه وتعبيره، وأنه لملازمته البادية، فقد أتى بهذه التشبيهات والصور والتراكيب.

فأمر للشاعر بدار جميلةٍ على شاطئ دجلة، بحيث يخرج الشاعر الى محال بغداد يُـطالع الناس ومظاهر مدينتهم وحضارتهم وترفهم.

أقام الشاعر البدوي، مدة من الزمن على هذه الحال، والعلماء يتعهدون مجالسته ومحاضراته، ثم استدعاه الخليفة ليسمع منه، فأنشده علي بن الجهم يقول في مطلعها:

عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ

جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري

أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن

سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمرًا عَلى جَمرِ

فقال المتوكل: انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه ان يذوب رقة و لطافة.

ذاعت شهرة قصيدة "عيون المها"، ومنها:

خليليَّ، ما أحلى الهوى، وأمـرَّهُ

وأعرفني بالحلو منه وبالمُر

بما بيننا من حُرمةٍ هل علمتما

أرقَّ من الشكوى، وأقسى من الهجرِ

وأفضح من عين المُحب لسِـرّهِ

ولاسيما إن أطلقت عَبرةً تجري

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع