يا جارة الوادي " زحلــــــــــة"

يا جارة الوادي " زحلــــــــــة"

لكل قصيدة حكاية

قصيدة " يا جارة الوادي" من القصائد التي نظمها امير الشعراء أحمد شوقي، بمناسبة زيارته لمدينة " زحلة" بلبنان، وهي من اروع المنتجعات بالعالم، فأثارت الطبيعة الجميلة أشجانه، فكانت قصيدته هذه ترجمانا لأشواقه، فبدت غاية في الابتكار والجودة،

القصيدة في ديوان ( الشوقيات) بعنوان ( زحلة)، والمقصود بـ(جارة الوادي) زحلة المدينة، أما الوادي فهو وادي العرايش الذي ينبع من مغارة في سفح جبل صنين المطل على زحلة، ويتدفق في نهر البردوني.

أحمد شوقي يتغزل بها كعشيقة، ويتحسر من خلالها على شبابه الذي ذهب ادراج الرياح، وأن قصارى ما يستطيع فعله هو التمتع بنسيمها العليل وتذكر ماضيه الجميل.

وقد لحنها وغناها محمد عبد الوهاب، وغنتها من بعده فيروز، والأغنية معروفة عند العامة بـ(يا جارة الوادي)، اعتقادا من عبد الوهاب وشوقي بأن اسم المدينة لا يصلح عنوانا لأغنية عاطفية، وهناك اتفاق بأن غناء القصيدة جرى على أجمل مقاطعها فقط، حيث استغنى عبد الوهاب عن استهلال القصيدة برغم انه أصدق أجزائها، بل ويصعب فهم القصيدة من دونه.

يا جارة الوادي " زحلــــــــــــــــــــة "

شيعت أحلامي بقلب باكي

ولممت من طرق الملاح شباكي

ورجعت أدراج الشباب وورده

أمشي مكانهما على الأشواك

وبجانبي واه كأن خفوقه

لما تلفت جهشه المتباكي

شاك السلاح اذا خلا بضلوعه

فاذا أهيب به فليس بشاك

ويح جنبي كل غاية لذة

بعد الشباب عزيزة الادراك

قد راعه أني طويت حبائلي

من بعد طول تناول وفكاك

لم تبق منا يافؤاد بقية

لفتوة أو فضلة لعراك

كنا إذا صفقت نستبق الهوى

ونشد شد العصبة الفتاك

واليوم تبعث فيّ حين تهزني

ما يبعث الناقوس في النساك

يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وَعادَني

ما يُشبِهُ الأَحلامَ مِن ذِكراكِ

مَثَّلتُ في الذِكرى هَواكِ وَفي الكَرى

وَالذِكرَياتُ صَدى السِنينِ الحاكي

وَلَقَد مَرَرتُ عَلى الرِياضِ بِرَبوَةٍ

غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها أَلقاكِ

ضَحِكَت إِلَيَّ وُجوهُها وَعُيونُها

وَوَجَدتُ في أَنفاسِها رَيّاكِ

فَذَهبتُ في الأَيّامِ أَذكُرُ رَفرَفاً

بَينَ الجَداوِلِ وَالعُيونِ حَواكِ

أَذَكَرتِ هَروَلَةَ الصَبابَةِ وَالهَوى

لَمّا خَطَرتِ يُقَبِّلانِ خُطاكِ

لَم أَدرِ ماطيبُ العِناقِ عَلى الهَوى

حَتّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطواكِ

وَتَأَوَّدَت أَعطافُ بانِكِ في يَدي

وَاِحمَرَّ مِن خَفرَيهِما خَدّاكِ

وَدَخَلتُ في لَيلَينِ فَرعِكِ وَالدُجى

وَلَثَمتُ كَالصُبحِ المُنَوِّرِ فاكِ

وَوَجدتُ في كُنهِ الجَوانِحِ نَشوَةً

مِن طيبِ فيكِ وَمِن سُلافِ لَماكِ

وَتَعَطَّلَت لُغَةُ الكَلامِ وَخاطَبَت

عَينَيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيناكِ

وَمَحَوتُ كُلَّ لُبانَةٍ مِن خاطِري

وَنَسيتُ كُلَّ تَعاتُبٍ وَتَشاكي

لا أَمسَ مِن عُمرِ الزَمانِ وَلا غَدٌ

جُمِعَ الزَمانُ فَكانَ يَومَ رِضاكِ

لُبنانُ رَدَّتني إِلَيكَ مِنَ النَوى

أَقدارُ سَيرٍ لِلحَياةِ دَراكِ

جَمَعَت نَزيلَي ظَهرِها مِن فُرقَةٍ

كُرَةٌ وَراءَ صَوالِجِ الأَفلاكِ

نَمشي عَلَيها فَوقَ كُلِّ فُجاءَةٍ

كَالطَيرِ فَوقَ مَكامِنِ الأَشراكِ

وَلَو أَنَّ بِالشَوقُ المَزارُ وَجَدتَني

مُلقى الرِحالِ عَلى ثَراكِ الذاكي

بِنتَ البِقاعِ وَأُمَّ بَردونِيَّها

طيبي كَجِلَّقَ وَاِسكُبي بَرداكِ

وَدِمَشقُ جَنّاتُ النَعيمِ وَإِنَّما

أَلفَيتُ سُدَّةَ عَدنِهِنَّ رُباكِ

قَسَماً لَوِ اِنتَمَتِ الجَداوِلُ وَالرُبا

لَتَهَلَّلَ الفِردَوسُ ثُمَّ نَماكِ

مَرآكِ مَرآهُ وَعَينُكِ عَينُهُ

لِم يا زُحَيلَةُ لا يَكونُ أَباكِ

تِلكَ الكُرومُ بَقِيَّةٌ مِن بابِلٍ

هَيهاتَ نَسيَ البابِلِيِّ جَناكِ

تُبدي كَوَشيِ الفُرسِ أَفتَنَ

صِبغَةٍ لِلناظِرينَ إِلى أَلَذِّ حِياكِ

خَرَزاتِ مِسكٍ أَو عُقودَ الكَهرَبا

أودِعنَ كافوراً مِنَ الأَسلاكِ

فَكَّرتُ في لَبَنِ الجِنانِ وَخَمرِها

لَمّا رَأَيتُ الماءَ مَسَّ طِلاكِ

لَم أَنسَ مِن هِبَةِ الزَمانِ عَشِيَّةً

سَلَفَت بِظِلِّكِ وَاِنقَضَت بِذَراكِ

كُنتِ العَروسَ عَلى مَنَصَّةِ جِنحِها

لُبنانُ في الوَشيِ الكَريمِ جَلاكِ

يَمشي إِلَيكِ اللَحظُ في الديباجِ أَو

في العاجِ مِن أَيِّ الشِعابِ أَتاكِ

ضَمَّت ذِراعَيها الطَبيعَةُ رِقَّةً

صِنّينَ وَالحَرَمونَ فَاِحتَضَناكِ

وَالبَدرُ في ثَبَجِ السَماءِ مُنَوِّرٌ

سالَت حُلاهُ عَلى الثَرى وَحُلاكِ

وَالنَيِّراتُ مِنَ السَحابِ مُطِلَّةٌ

كَالغيدِ مِن سِترٍ وَمِن شُبّاكِ

وَكَأَنَّ كُلَّ ذُؤابَةٍ مِن شاهِقٍ

رُكنُ المَجرَّةِ أَو جِدارُ سِماكِ

سَكَنَت نَواحي اللَيلِ إِلّا أَنَّةً في

الأَيكِ أَو وَتَراً شَجِيَ حِراكِ

شَرَفاً عَروسَ الأَرزِ كُلُّ خَريدَةٍ

تَحتَ السَماءِ مِنَ البِلادِ فِداكِ

رَكَزَ البَيانُ عَلى ذَراكِ لِوائَهُ

وَمَشى مُلوكُ الشِعرِ في مَغناكِ

أُدَباؤُكِ الزُهرُ الشُموسُ وَلا أَرى

أَرضاً تَمَخَّضُ بِالشُموسِ سِواكِ

مِن كُلِّ أَروَعَ عِلمُهُ في شِعرِهِ

وَيَراعُهُ مِن خُلقِهِ بِمَلاكِ

جَمعَ القَصائِدَ مِن رُباكِ وَرُبَّما

سَرَقَ الشَمائِلَ مِن نَسيمِ صَباكِ

موسى بِبابِكِ في المَكارِمِ وَالعُلا

وَعَصاهُ في سِحرِ البَيانِ عَصاكِ

أَحلَلتِ شِعري مِنكِ في عُليا

الذُرا وَجَمَعتِهِ بِرِوايَةِ الأَملاكِ

إِن تُكرِمي يا زَحلُ شِعري

إِنَّني أَنكَرتُ كُلَّ قَصيدَةٍ إِلّاكِ
قصيدة ياجارة الوادي

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع