يرتبط عامل المُناخ بشكل وثيق بتوزيع السكان حول العالم؛ حيث يتجّه الناس إلى استيطان المناطق ذات المُناخ المُعتدل.
النمو السكاني في العالم
ـ يُقدَّر عدد سكان العالم في عام 2020م بـ 7.753 مليار نسمة، ويُشكّل هذا الرقم زيادة هائلة عن تعداد العالم السُكانيّ في عام 1950م الذي قُدِّرَ بـ 2.6 مليار نسمة، وذلك تبعاً إلى عدّة عوامل واتجاهات أبرزها معدّلات الخصوبة، وزيادة عدد الأشخاص الذين يتمتّعون بقدرة إنجابية عالية، لكنّ الأمر المُلاحظ أنّ معدلات الخصوبة تختلف باختلاف القارة؛ حيث ترتفع معلات الخصوبة بشكل كبير لدى الأشخاص الذين يعيشون في قارتيّ أفريقيا وآسيا، بينما تنخفض لدى سكان القارّة الأوروبيّة.
ـ ومن العوامل الأُخرى التي تؤثر على النمو السكانيّ هو زيادة عمر الإنسان المتوقّع، حيث ارتفع متوسط العمر المتوقّع عند الولادة لسكان العالم بمقدار 3 سنوات ليصل إلى 67-70 عاماً، ويختلف متوسط عمر الإنسان المتوقّع باختلاف القارّة التي يسكنها، أمّا آخر عامل يُساهم في النمو السكاني فهو الهجرة الدوليّة، حيث أثّرت على حجم السكان في المناطق المرسلة أو المُستقبلة للمهاجرين.
العوامل المؤثرة في توزيع السكان
ـ يتأثّر توزيع السكان في الدولة بمجموعة من العوامل التي تجتمع لتُشكّل خارطة تمركُز السكان الحاليّة حول العالم؛ حيث يمكن تقسيمها بشكل أساسيّ إلى عاملين رئيسيين، هما: العوامل الطبيعية، والعوامل البشريّة، والتي يندرج تحت كلّ منهما مجموعة من العوامل الفرعيّة التي تساهم بدورها في عمليّة توزيع السكان حول العالم.
العوامل الطبيعيّة
ـ تساهم العوامل الطبيعيّة في توزيع السكّان حول العالم من خلال تفاعل الإنسان مع بيئته، ومن أبرز هذه العوامل:
مظاهر السطح
ـ تلعب مظاهر السطح والتضاريس من مرتفعات جبليّة وسهول دوراً كبيراً في توزيع السكّان؛ حيث يتجّه البشر إلى السكن في السهول المنبسطة والمفتوحة؛ حيث تزيد الكثافة السكانية فيها عن تلك الموجودة في الجبال؛ وذلك لسهولة الحركة فيها وملاءمتها للأنشطة التجاريّة والاقتصاديّة، بينما يبتعد البشر عن سكن الجبال والمرتفعات؛ لما فيها من صعوبة في الحركة والتنقّل، وعدم ملاءمتها للأنشطة التجاريّة والاقتصاديّة، إلى جانب تأثير المرتفعات بشكل سلبيّ على صحّة الإنسان؛ بسبب ارتفاع الضغط الذي يؤدي إلى إصابة البعض بدوار المرتفعات، وفي بعض الأحيان قد تزيد كثافة السكان في الجبال والمرتفعات تبعاً لعوامل أُخرى مثل العوامل المُناخية؛ حيث يضطر البشر لاستيطان الجبال هرباً من حرارة السهول والمنبسطات في الأماكن الاستوائية والحارة، وتُلاحَظ علاقة مظاهر السطح بتوزيع السكان من خلال نسبة كثافتهم؛ حيث يعيش حوالي 90% من السكان بشكل تقديريّ في ارتفاع أقل من 400م فوق مستوى سطح البحر.
الموارد الطبيعية
ـ تلعب الموارد المعدنية من معادن ومصادر طاقة عامل جذب للسكان بطريقة مباشرة وغير مباشرة؛ حيث تجذب المعادن ومصادر الطاقة السكان بشكل مباشر من خلال دفعهم لتعدين المعادن والاستيطان حيث توجد، أو استخراجه من باطن الأرض، ومن أمثلة المعادن: الحديد، والألماس، والذهب، أمّا مصادر الطاقة فهي البترول والنفط، أمّا عن العوامل غير المباشرة التي تلعبها الموارد الطبيعية في جذب السكان فهي جذب الصناعات حيث توجد هذه المصادر، وبالتالي جذب السكان إلى المناطق التي توجد فيها هذه المصادر.
المناخ
ـ يرتبط عامل المُناخ بشكل وثيق بتوزيع السكان حول العالم؛ حيث يتجّه الناس إلى استيطان المناطق ذات المُناخ المُعتدل، الذي بدوره يؤثر إيجاباً على عوامل الحياة الأساسية، مثل الغطاء النباتيّ والتواجد الحيوانيّ، ويبتعد الناس عادةً عن المناطق ذات المُناخ المُتطرف من حرارة شديدة، مثل الصحارى المدارية، أو شديد البرودة، مثل القطبين الشمالي والجنوبي، ومن العوامل المُناخية التي تُعدّ جاذبة للسكان هي الأمطار؛ حيث يزداد تمركّز السكان في المناطق التي تزداد فيها الأمطار؛ وذلك تبعاً لأهمية الأمطار في النشاط الزراعيّ الذي تعتمد عليه شريحة واسعة من السكان.
التربة
ـ تُشكّل التربة إحدى العوامل المهمة في توزيع السكان؛ حيث تعدّ المكوّن الأول والأهم في النشاط الزراعيّ للسكان، فوجود التربة الصحراوية، وتربة التندرا، والتربة الجبلية من الترب المُنفّرة للسكان بشكل كبير؛ وذلك لأنّها من التربات الفقيرة التي لا تصلُح للزراعة، بينما يتواجد السكان بشكل كثيف حول التربات الفيضية أو البركانية التي تتميز بارتفاع معدّل خصوبتها، إلى جانب وجود ترب خصبة عديدة، مثل: تربة البحر المتوسط، أو تربة بالتبراروسا، والتربة السوداء التي تنتشر في سهول أوكرانيا وسهول نهر المسيسبي، والتربة الصفراء الموجودة في سهول الصين، والعديد من التُّرَب الأُخرى.
العوامل البشرية
ـ تأتي أهمية العوامل البشرية في التأثير على توزيع السكان تبعاً لعدة عوامل وظروف سياسيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة، وتاريخيّة، تتفاعل مع بعضها البعض، ومن أبرز هذه العوامل:
الحِرف
ـ ترتبط الحِرف بشكل وثيق في توزيع السكان حول العالم، والمقصود بالحِرف هنا هي الصيد، والزراعة، وصيد الأسماك؛ حيث تحتاج جميعها إلى مساحات ومصادر تُمكّن الإنسان من ممارستها، مثل الأراضي الزراعية، والمساحات الشاسعة، والبحار، ومع التطوّر الحديث الذي شهده العالم، تطوّرت الحِرف البدائية إلى حرفة الصناعة، ولذلك تشهد المناطق الصناعية حالياً كثافة سكانية عالية نتيجة توافد السكان من جميع المناطق إلى المدن التي تشهد تطوراً صناعياً للعمل فيها.
النقل والمواصلات
ـ يُعد وجود شبكة طرق ومواصلات من العوامل الجاذبة للسكان في ظلّ نشوء المدن الحديثة؛ حيث يتجّه السكان إلى استيطان الأماكن المربوطة بشبكة طرق قريبة من أماكن عملهم وسكنهم، وكنتيجة لذلك نشأت العديد من المدن والتجمّعات السكانية الحديثة التي قامت بالقرب من شبكات المواصلات والطرق.
العادات والتقاليد
ـ تلعب العادات والتقاليد دوراً رئيسياً في عملية توزيع السكان في العالم؛ حيث تتبع بعض المجتمعات عادات وتقاليد تختلف عن غيرها من المجتمعات، ففي المجتمعات التي تزدهر الزراعة الكثيفة ترتفع نسبة المواليد تبعاً لعادات تلك المجتمعات وسكانها، كما تلعب الحالة الصحية للسكان دوراً مهماً في مدى الكثافة السكانية في مجتمع ما؛ حيث ترتفع معدلات الوفاة بين المجتمعات السكانية التي تنتشر فيها الأمراض عن تلك التي يعيش سكانها حياة صحية وسليمة.
التاريخ والسياسة
ـ يُعد العاملان التاريخيّ والسياسيّ من أبرز العوامل البشريّة التي تساهم في توزيع السكان حول العالم؛ حيث ساهمت الأحداث التاريخية في تشكيل خارطة توزيع السكان الحالية، ومن هذه الأحداث التاريخيّة استعمار الدول والقارات، واستمرت الأجيال باستيطان الأماكن التي سكنها أجدادهم، أمّا العامل السياسيّ من حروب وصراعات أدت إلى سلسلة من الهجرات الجماعية التي خسر بسببها الملايين أراضيهم، واضطروا إلى تركها، والنزوح إلى أماكن أكثر أمناً بحثاً عن الاستقرار، وهو ما أدّى إلى تشكّل تجمّعات سكانيّة تتصف بالكثافة في مناطق عديدة من العالم.
أنماط توزيع السكان حول العالم
ـ لا يُمكن وصف التوزيع السكاني حول العالم بأنّه توزيع متجانس أو متساوٍ في أيّ حال من الأحوال تبعاً للعوامل العديدة التي ذُكِرَت مسبقاً، وهناك اتجاهات وأنماط للتوزيع السكاني، ومن أبرزها:
ـ تتمركز معظم الكثافة السكانية في العالم في قارات العالم القديمة (آسيا وأوروبا)؛ حيث يعيش فيها ثلاثة أرباع سكان العالم.
ـ يعيش 14% من سكّان العالم في العالم الجديد.
ـ يعيش أقلّ من 10% من سكان العالم في نصف الكرة الأرضيّة الجنوبيّة.
ـ يعيش حوالي أربعة أخماس سكان العالم بين دائرتي عرض 20 شمالاً، وهي تضُمّ أكبر منطقتيّ تجمع للسكان، وهما:
ـ جنوب شرق آسيا: حيث يعيش هناك نصف سكان العالم، في مساحة 0.5% من العالم.
ـ قارة أوروبا: حيث يعيش هناك خُمس سكان العالم في مساحة 0.5% من العالم.
ـ يعيش نصف سكان العالم تقريباً في خمس دول، وهي: الصين، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، والبرازيل، وإندونيسيا.
ـ يعيش ثلاثة أرباع سكان العالم في 20 دولة، ويعيش الربع المُتبقي في 180 دولة.
ـ يعيش في الدول المتقدمة 35.5% من سكان العالم، بينما يعيش 64.5% من السكان في الدول النامية.