الصبور
-هُوَ الذِي لَا يُعَاجِلُ العُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ ، بَلْ
يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى أجَلٍ مُسَمَّى، وَيُمْهِلُهُم لِوَقْتٍ مَعْلُوْم.
-والصبور سبحانه هو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل
قبل أوانه.
-فالله سبحانه وتعالى هو الصبور،
الذي يملي ويمهل، وينظر ولا يعجل ولا يعاجل، ولا يسارع إلي الفعل قبل أوانه، وينزل
الأمر بقدر معلوم، ولا يؤخره عن أجله.
قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وهو الصبور على أذى أعدائه ** شتموه بل نسبوه للبهتان
قالوا له ولد وليـــــس يعيدنا ** شتما وتكذيبا من الإنسان
هذا وذاك بسمعه وبعلمه ** لو شاء عاجلهم بكل هوان
لكن يعافيهم ويرزقهم وهم ** يؤذونه بالشرك والكفران
-هذا الاسم الكريم ورد في السنة
ولم يَرِدْ في القرآن الكريم صراحةً، وفي القرآن آيات تدل على معناه، كقوله تعالى:
(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا
مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ
أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً).
-ومن معاني الصبور، أنه تعالى لا يأخذ الإنسان
بذنبه مباشرة، ولكنه يعطيه الفرصة للتوبة، وهذا دليل على رحمة الله، لأنه عز وجل
إذا عاقب كل إنسان على ذنبه لاستحق الجميع العقوبة، لأن البشر من طباعهم التقصير
والمعصية، قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ
عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا
جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).
-قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم في صحيحه: (لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى
يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ
الْوَلَدُ ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ)، قال السعدي: "الصبر الذي
ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى، لا مثيل له من الصبر، فهو
صبر في كمال قوة وحكمة وحلم وعظيم القدرة والبطش، في مقابلة غاية الإساءة والأذية
من الخلق، الذين نواصيهم بيد الله، وليس لهم خروج عن قدرته، وأقواتهم وأرزاقهم
وجميع ضروراتهم وحاجاتهم متعلقة بالله، ليس لشيء منها حصول إلا من جوده وخزائنه،
ومع ذلك، فهو يعافيهم ويرزقهم، ولا يقطع عنهم بر في جميع اللحظات، ومع ذلك يفتح
لهم أبواب التوبة، ويسهل لهم طريقها، ويدعوهم إليها، ويخبرهم أنهم إن تابوا محا
عنهم الخطايا العظيمة، وأدر عليهم النعم الجسيمة، فسبحان الحليم الصبور".
-من الآثار الإيمانية لاسم الله الصّبور في سلوك
العبد المؤمن وعقيدته ؛ أنه عندما يدرك اتصاف الله تعالى بالصبر فإن هذا يفتح له باب
الرجاء ويحثه على الإنابة إلى الله تعالى، قال ابن القيم: "وأما صبره سبحانه
فمتعلق بكفر العباد وشركهم، ومسبتهم له سبحانه وأنواع معاصيهم وفجورهم فلا يزعجه
ذلك كله إلى تعجيل العقوبة بل يصبر على كيده، ويمهله، ويستصلحه ويرفق به، ويحلم
عنه، حتى إذا لم يبق فيه موضع للضيعة، ولا يصلح على الإمهال والرفق بالحلم ولا
ينيب إلى ربه ولا يدخل عليه لا من باب الإحسان والنعم، ولا من باب البلاء والنقم
أخذه أخذ عزيز مقتدر بعد غاية الإعذار إليه، وبذل النصيحة له ودعائه إليه من كل
باب، وهذا كله من موجبات صفة حلمه، وهي صفة ذاتية له لا تزول".
-ومن مقتضى الإيمان بهذا الاسم الكريم؛ أن يصبر
العبد ويتصبر ويصابر، وقد أمر الله بذلك فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ) آل عمران: (200)، وقد أخبر الله
تعالى أنه يحب الصابرين، وأنه مع الصابرين، وأنه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب،
وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يبشر الصابرين.