امتدَّت فترة حكمه من عام 1183 قبل الميلاد وحتى عام 1152 قبل الميلاد.
- يعدُّ الفرعون رمسيس الثالث واحدًا من أشهر الحكام في الأسرة العشرين في مصر القديمة، وهو ثاني فرعون وآخر حاكم في الدولة الحديثة في مصر، وقد امتدَّت فترة حكمه من عام 1183 قبل الميلاد وحتى عام 1152 قبل الميلاد، وعرفه الإغريق قديمًا باسم رامپسينيتوس.
- اقتدى رمسيس الثالث بوالده في الشروع ببناء المشاريع الإنشائية الضخمة، وكان له اسمان رئيسان وهما: وسر-معت-رع-مري-إمن، رع-مس-س-حقاع-إوُنو، وهما يعنيان في العربية: القوي بماعت ورع، محبوب آمون، حمله رع، حاكم أون، وقد تخلَّد ذكره في بردية هاريس الكبرى التي أمر ولده وخليفته في الحكم رمسيس الرابع بكتابتها، وتؤرخ تلك البردية هبات وعطايا رمسيس الثالث الهائلة من التماثيل الذهبية والأراضي والمنشآت الضخمة للمعابد في مختلف مدن مصر مثل: أون ومنف وأثريبيس وهرموبوليس وكوبتوس وبقية المدن في بلاد النوبة وسوريا، كما تسجل غير ذلك من الأنشطة التي قام بها، وهذا المقال سيتحدث عن رمسيس الثالث بشيء من التفصيل.
حكم رمسيس الثالث
- الملك رمسيس الثالث هو ابن الملك ست ناختي وقد واصل خلال فترة حكمه الطويلة التي امتدت لثلاثين عامًا ما بدأ به والده، وذلك بغية وضع نهاية للفوضى التي وقعت بعد وفاة والده، فأعاد الملك رمسيس الثالث تنظيم شؤون الإدراة وعمل على توقيع اتفاقيات السلام واهتمَّ كثيرًا بذلك، وعمل على إعادة العبادة على ما كانت عليه ومحاربةِ الفساد في البلاد، وتمَّ تحقيق ذلك الإصلاح من خلال تقسيم إداري يتألف من عدة طبقات هي: مسؤولو البلاط ومسؤولو المحافظات والعسكريون والعمال العاديون، وبفضل الضرائب المرتفعة التي وصلت إلى مدن بلاد النوبة وآسيا استعادت البلاد عافيتها الاقتصادية، ونشطت التجارة الداخيلة والخارجية، وأدَّى هذا التعافي إلى الاهتمام بإثراء المباني الموجودة وإنشاء معابد ومنشآت جديدة، ركَّز الملك رمسيس الثالث بعد توليه الحكم على استعادة هيمنة مصر على السياسة الخارجية كما كانت سابقًا، وكانت الحالة المعقدة التي تمرُّ بها آسيا بتطلَّب ردودًا قوية من مصر، فقد انتصرت شعوب البحر على المملكة الحثية واحتلت بلاد نارينا وقبرص وهاجمت مقاطعات مصر في كنعان، كما تعرضت منطقة دلتا النيل لمهاجرين جدد هربًا من الأسوأ.
- واجه رمسيس الثالث مجموعتين من الشعوب الهندوأوروبية أو ما يطلق عليهم غزاة البحر كانوا متوجهين إلى الدلتا بعد انتصارهم على المملكة الحثية، وفي العام الثامن من حكمه توجَّه إلى آسيا لقتالهم وانتصر عليهم في معركة عند مصب نهر النيل ودمر أسطولهم، ومن أجل تجنب غزو شعوب البحر عمل على تحصين الحدود مع آسيا واستردَّ منطقة سوريا جزئيًا شملت مناطق في الفرات، لكنَّ تلك السيطرة لم تستمر طويلًا حيثُ فقدت مصر بعد سنوات حكم سوريا إلى الأبد، وكان الوضع في ليبيا غير مستقر بعد أن عملت القبائل هناك على تنظيم نفسها، وفي السنة 11 من حكمه حاول الجيش الليبي الاستقرار في أراضي مصر الخصبة، فوقعت معركة بالقرب من مدينة ممفيس انتصر فيها الفرعون وحصل على عدد كبير من الأسرى قدموا إلى المعابد كعبيد، ومن أشهر معاركه: معركة زاهى التي صدَّ فيها شعوب البحر ودمَّر أسطولهم ومعركة دلتا والتي انتصر فيها انتصارًا ساحقًا على الليبين الذين طمعوا بالاستقرار في مصر.
إنشاءات رمسيس الثالث
- لقد اهتمَّ الملك رمسيس الثالث بإنشاء الأبنية الجديدة وازدهار العمران وبناء المعابد، كما اهتمَّ بتجديد الأبنية والمعابد القديمة وإثرائها، وبعد الانتعاش الاقتصادي الذي عاشته مصر القديمة في عهده وتحقيق الانتصارات على المناطق المجاورة أعطى رمسيس الثالث أوامر من أجل بناء ملحقات تابعة للمعابد وكان لتلك المعابد أهمية كبيرة آنذاك في الأقصر وفي الكرنك، كما قام ببناء المجمع الإداري والمعبد الجنائزي في مدينة هابو، وتعدُّ تلك الأبنية من أهم وأكبر المنشآت وأفضلها في الحفاظ على تاريخ مصر، ونظرًا لحالة الاضطراب الخارجية فيما يخصُّ المناطق المحيطة بمصر وخصوصًا بعد فقدان سوريا وبلاد كنعان والتهديدات من الجانب الليبي فقد ازداد بناء التحصينات الكبيرة من أجل حماية مصر وحماية الملك رمسيس الثالث، إذ لم يحدث أن تعرَّض معبد يقع في وسط مصر للاجتياح أو الغزو سابقًا، وحسب الأسطورة فقد دُفنَ هناك جماعة الهيرموبوليتانا وهم أعضاء نشأة الكون، الذين كانوا يتلقون العبادة إلى أن وصل أباطرة الرومان، بالإضافة إلى ذلك تعدُّ مقبرة الملك رمسيس الثالث "KV11" واحدة من أكبر المقابر في وادي الملوك، والتي ما تزال تحتفظ بأناقتها المتميزة، وتمثِّل صورةً بديعةً ومخلصةً للفنِّ المصري المعماري قديمًا.
- وقد وجِدَ حديثًا في المنطقة القريبة من واحة تيماء في المملكة العربية السعودية نقش يعود للملك رمسيس الثالث، وقد أشار علماء الآثار إلى أنَّ ذلك يعود لوجود طريق تجاري كان يربط بين تيماء ووادي النيل، وكان ذلك الطريق يستخدم في عهده حيثُ تسلكه القوافل المصرية للتزوُّد من تيماء بالبضائع المختلفة، وكان الطريق محدَّدًا بخراطيش أو تواقيع للملك رمسيس الثالث وضعت على مناهل شبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة سيناء، ومن المسلَّات التي قدَّمتها مصر هديةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1869م من قبل الخديوي إسماعيل كانت المسلة التي تحمل نقوشًا تخصُّ الفرعون تحتموس الثالث بالإضافة إلى العديد من الرموز التي تتعلق بالملك رمسيس الثالث، وكان يطلق على هذه المسلة مسلة كليوباترا الأولى.
المؤامرات حول رمسيس الثالث
- وقعت في عهد الملك رمسيس الثاني أول إضرابات موثقة في التاريخ، حيثُ قام العمَّال الذين يعملون في المقابر الملكية والتي تقع في منطقة دير المدينة بالإضراب عن العمل من خلال ثلاث موجات من الاحتجاج بسبب تأخُّر استلام حصصهم الغذائية وقد كانت جزءًا من أجورهم ففي تلك الفترة لم تكن النقود قد صُكَّت بعد، فقد كانت الإنشاءات كثيرة ويتمُّ العمل بها في تلك الفترة من السنة، وبسبب ميل الملك في آخر حكمه إلى اللهو والملذات تدهورت الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وكانت الأموال تُصرف على الإنشاءات وغيرها وتُهمل مستحقات العمال، عند ذلك توقَّف العمال عن العمل في المقابر الملكية، وتوجَّهوا إلى الوزير الذي يقيم في معبد الرامسيوم وقدموا شكواهم إليه ولكن لم يجدوا آذانًا مصغية، وفي اليوم الثاني هجَم العمال على المعابد الكبرى التي كانت تضمُّ الكثير من الذهب والأشياء الثمينة مثل معبد رمسيس الثاني ومعبد الرامسيوم، وهجموا أيضًا على مخازن الحبوب والغلال والأطعمة وهو يهتفون: جائعون جائعون، فاضطرَّ الوزير عند ذلك لإعطائهم حقوقهم ولكنَّ الإضراب لم يتوقف لأنَّ ذلك لم يكن السبب الوحيد له، فكان وراء انتشار الفوضى وقيام الثورة سبب رئيس آخر هو تولِّي الأجانب وظائف هامة في الدولة وفي البلاط الملكي، وصار الملك يسمع لنصائحهم ما أدى لتفاقم الأوضاع في البلاد، وهذا ما أدى لمهاجمة كل المخازن في الدولة ونهبها، حنقًا على الجوع والفقر الذي يتفشّى بين العامة بينما الأموال والغلال توضع في مخازن آمون وتصرف على الملك وأعوانه، فكانت هذه هي بداية سقوط رمسيس الثالث، فقد تعرَّض الملك لمؤامرة كبيرة أعدَّت داخل القصر الملكي وكانت غايتها قتل الملك والتخلص منه للأبد، دبرتها إحدى زوجاته حتى يتولى ابنها بنتاؤور الملك بعد والده، ولذلك سمِّيت المؤامرة بمؤامرة الحريم، وانتهت هذه المؤامرة بقتل الملك رمسيس الثالث في عام 1152 قبل الميلاد.
معبد رمسيس الثالث
- معبد الملك رمسيس الثالث أو المعبد الجنائزي أو معبد مدينة هابو، واحد من أعظم المعابد للأسرة العشرين في تاريخ مصر القديمة، بناه الملك رمسيس الثالث من أجل إقامة الطقوس الجنائزية له وتخليد ذكره ولعبادة آمون وقد أُطلِق عليه الاسم الفرعوني القديم "حت غنمت حح" والذي يعني المعبد المتَّحد مع الأبديَّة، شيَّده الملك في بداية حكمه وقام بالإشراف على البناء آمون ست وهو أمين خزانة معبد آمون، ويرجِّح بعض العلماء أنَّ كلمة هابو تشير إلى أمنحتب ابن حابو الذي كان وزير أمنحتب الثالث، ويعتقد البعض أنَّ الاسم يرجع للكاهن المسيحي الذي أقام في تلك المنطقة لاحقًا، ويعدُ المعبد أكبر معبد جنائزي خصِّصَ لتخليد ذكرى ملك في الدولة الفرعونية الحديثة، إذ يبلغ طوله 320 مترًا من الغرب إلى الشرق و200 مترًا عرضًا من الجنوب إلى الشمال، وهو المعبد الوحيد المحصَّن بين المعابد، ومن المرجَّح أنَّه شيِّد على مرحلتين، الأولى تتضمن بناء المعبد وملحقاته ضمن السور المستطيل، والثانية بدأت في النصف الثاني لحكم رمسيس الثالث حيثُ تمَّ فيها بناء السور الخارجي مع البوابتين المحصنتين الكبيرتين في الغرب والشرق وشيِّدت بين السورين في الجنوب والشمال منازل للكهنة وللقائمين على المعبد، ويتكوَّن من مدخل عظيم يحيط به برجان نُقشَت على كل واحد منهما نقوش تمثِّل الأسرة الحاكمة وصور لرمسيس الثالث، والطبقات العليا للبرجين كانت مخصصة لحريم القصر الملكي، وهو أفخم المعابد نقشًا وأثاثًا، وكان به تمثال لآمون تزينه الأحجار الكريمة، وعلى الجدران نقوش قيمة جدًّا فيها صور للانتصار الذي حقَّقه الملك على شعوب البحر وصور للانتصار على الجيش الليبي، بالإضافة إلى بعض المعبودات التي تحمل القرابين من الضياع وتحضرها لآمون.