يعتبر خالد بن الوليد واحداً من القادة القلائل في التاريخ الذين لم يُهزموا في معاركهم
خالد بن الوليد، رضي الله عنه، صحابي وقائد عسكري مسلم، أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم لقب "سيف الله المسلول".
اشتهر خالد بن الوليد بعبقريته في التخطيط العسكري وبراعته في قيادة جيوش المسلمين خلال حروب الردة وفتح العراق والشام، في عهدي الخلفاء أبي بكر وعمر، خلال الفترة من عام 632 إلى 636.
يُعتبر خالد واحداً من القادة القلائل في التاريخ الذين لم يُهزموا في معاركهم، حيث لم يُهزم في أكثر من مائة معركة أمام جيوش أكثر تفوقاً عددياً مثل الإمبراطورية الرومانية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، فضلاً عن القبائل العربية الأخرى.
اشتهر خالد بن الوليد بانتصاراته الحاسمة في معارك اليمامة وأُلّيس والفراض، واستخدم تكتيكاته بنجاح في معركتي الولجة واليرموك.
ولادة ونشأة خالد بن الوليد
خالد بن الوليد بن المغيرة، وُلد في العام الخامس والعشرين قبل الهجرة، وكان من بني مخزوم في مكة المكرمة.
والده المغيرة كان سيدًا من سادات قريش، واشتهر بمكانته وسيادته وكرمه، وكان يُلقب بـ "الوحيد".
قام المغيرة، بعد عدة أيام من ولادة خالد ابن الوليد، بإرساله إلى القبائل العربية حيث تربى في الصحراء.
هذه الفترة من التربية في البيئة الصحراوية ساهمت في تقوية بنيته وصحته. عاد خالد إلى بيت والديه في مكة بعد أن بلغ الخامسة من عمره، حاملاً معه تلك القوة والصحة التي اكتسبها خلال فترة تربيته في الصحراء.
دخوله في الإسلام
بعد أن تجاوز خالد بن الوليد سن الأربعين، اعتنق الإسلام بعدما وصلته رسالة من أخيه، والتي أخبره فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنه، حيث قدم له الرسول رسالة تحثه على الإسلام، مشيدًا بقدراته وتميزه.
بعد ذلك، قرر خالد أن يتجه إلى المدينة ليلتقي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يرافقه عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة.
وفي اليوم الأول من شهر صفر، في السنة الثامنة للهجرة، وصلوا إلى المدينة، ودخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بادر الرسول بالترحيب بهم بابتهاج، وطلب خالد من الرسول أن يستغفر له.
بهذه الطريقة، اعتنق خالد بن الوليد الإسلام وأسلم بعد سنوات من البحث والتفكير، وأصبح من الصحابة الذين آمنوا برسالة الإسلام واتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
المعارك والغزوات التي شارك فيها خالد بن الوليد
غزوة مؤتة
بعد مقتل الصحابي الحارث بن عمير الأزدي، الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هيرقل داعيًا إياه إلى الإسلام، سار جيشٌ من المدينة نحو بلاد الشام بقيادة زيد بن حارثة مع ثلاثة آلاف مقاتل، وعيّن الرسول جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة، وشارك في المعركة خالد بن الوليد كواحدٍ من جنودها.
وبعد استشهاد القادة الثلاثة في المعركة، سُلّمت الراية لخالد بن الوليد، الذي قام بتنظيم الجيش وتدبير الأمور بحكمة، حيث أعاد ترتيب الصفوف بخطةٍ مكنت المسلمين من الخروج من المعركة بأقل الخسائر، وشن هجماتٍ سريعةً على العدو.
بفضل استراتيجيته وشجاعته، مكن خالد بن الوليد المسلمين من التفوق على الروم، حيث خرجوا من المعركة دون أن يستطيع العدو مطاردتهم، وقد وُصفت فتحته بأنها "سيف من سيوف الله"، وبهذا الانتصار حصل خالد على لقب "سيف الله".
بهذه الطريقة، أظهر خالد بن الوليد شجاعته وقيادته الفذة في المعارك، مما جعله واحدًا من الشخصيات المهمة في تاريخ الإسلام.
فتح مكة
في السنة الثامنة من الهجرة، وبعد أن نكث المشركون صلح الحديبية، استعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون لفتح مكة.
قام النبي بتنظيم الجيش إلى أربع مجموعات، وعيّن خالد بن الوليد ليكون أميراً على المجموعة التي ستدخل مكة من الجنوب باتجاه الشمال. وفي توجيهه لجيشه، حث النبي على ضرورة عدم قتل أحد ما لم يكن يقاتلهم.
قام عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو بتجميع مجموعة من المشركين لمهاجمة خالد بن الوليد ومساعديه، حيث اندلعت معركة بين الجانبين، أسفرت عن مقتل ثلاثة عشر من المشركين واستشهاد ثلاثة من المسلمين.
بعد ذلك، تجمعت كلّ قوات المسلمين في مكة، وأخذوا يطوفون حول البيت مكبّرين، ثمّ بعث رسول الله خالد بن الوليد مع ثلاثين فارساً بمهمة هدم صنم العزى الذي كان أعظم صنم عند قريش وبني كنانة، فنفّذ خالد المهمة.
غزوة حُنين
قاتل خالد ابن الوليد مع المسلمين في غزوة حُنين وكان في مقدمتهم، وأُصيب بجروح بليغة، وذلك أنّ قبيلة هوازن قد نصبت لهم الكمائن في الطرق، وعلى الرغم من إصابته إلا أنه كان ممتثلاً لأمر الرسول، فقاتل حتى كان النصر حليفا للمسلمين، وبعد ذلك كلّف الرسول خالد -رضي الله عنه- بقيادة ألف مقاتل في مهمة السير إلى الطائف لإتمام غزوة حُنين، إذ كانت تلك الطليعة إلى الطائف امتداداً لغزوة حُنين.
معارك أخرى شارك بها خالد بن الوليد
خاض خالد بن الوليد -رضي الله عنه- أكثر من مئة قتالٍ في حياته، سواءً قبل الإسلام أم بعده، أولها في مكة المكرمة وآخرها في قنسرين، ومن المواقف التي شارك فيها:
· يوم اليمامة.
· يوم مقتل مسيلمة.
· حروب المرتدين.
· ذات السلاسل.
· المزار.
· الولجة.
· أليس.
· عين التمر.
· الأنبار.
· موقعة عقرباء.
· فتوحات العراق والشام.
· معارك دمشق وحمص.
صفات خالد بن الولي
تميز خالد بن الوليد بمجموعة من الصفات الخُلقية الرائعة، وفيما يلي بعض منها:
الكرم والجود: اشتهر خالد بن الوليد بالكرم وحب العطاء، وكان دائماً مستعداً لتقديم المساعدة وتقديم الهبات لأشراف العرب من ماله الخاص، وكان دائماً يُظهر الرحمة والتضحية من أجل الآخرين.
الرأي والحكمة: كان لخالد رأيًا ثاقبًا ومشورة حكيمة، وعُرف عنه عمق التفكير والتأمل، فلم يكن يصدر أي قرار أو رأي إلا بعد دراسة دقيقة وتفكير شامل.
الشجاعة: كان خالد بن الوليد قدوة في الشجاعة والاستقامة، وكان يظل ثابتًا في المعارك ومصدر قوة وتشجيع لمن حوله، حتى أن أبو بكر أشاد به قائلاً: "عجزت النساء أن يلدن مثل خالد".
العلم: كان خالد بن الوليد متفهمًا لأحكام الجهاد وكان يمتلك معرفة عميقة بها، لكنه لم يكن ملمًا بكافة العلوم كبعض الصحابة الذين قضوا فترة أطول مع النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الفصاحة والبلاغة: كان خالد بن الوليد ماهرًا في التعبير والخطابة، وكان يتمتع ببلاغة عالية، فكانت خطبه جذابة ومقنعة، وتميز بقدرته على التعبير السلس والمؤثر.
وفاة خالد بن الوليد
توفي القائد العسكري البارز، خالد بن الوليد، في سنة 21 هجرية، وتحديداً في فترة خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
تناقل التاريخيون روايات متعددة بشأن مكان وفاته، إذ يُقال أنّه فارق الحياة في بلدة حمص، وفي المقابل، يرى البعض ان وفاته كانت في المدينة المنورة.