كان خازناً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على بيت المال.
ـ هو بلال بن رباح القُرشيّ التيميّ -رضي الله عنه-، مولى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأُمّهُ حمامة، ويُكنّى بأبي عبد الرحمن، وقيل: بأبي عبد الكريم، وقيل: بأبي عمرو، وقيل: بأبي عبد الله. من مواليد السراة في أهل الشام، من موالي بني تيم، قال عنه أبو عُمر: له أخٌ اسمهُ خالد، وأُخت تُسمّى غفيرة أو عقرة، وهي مولاة عُمر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
صفات بلال بن رباح الخَلقية
ـ يتصف بلال بن رباح -رضي الله عنه- من الناحيّة الخَلقيّة بأنّهُ آدمٌ شديدُ الأدمة؛ أي السّمرة، ونحيف، وطويل، وأجنى؛ أي يميل أعلى ظهره على صدره، وخفيف العارضين، كما كان كثير الشعر، ولا يُغيِّرُ شيبه.
مناقب بلال بن رباح
ـ توجد الكثير من الماقب التي تحلّت بها شخصية بلال بن رباح -رضي الله عنه وأرضاه-، وفيما يأتي ذكر بعضٍ منها:
ـ كان بلال -رضي الله عنه- من السّابقين إلى الإسلام، المصدّقين به، وكان طاهر القلب، مُتقدِّم الهِجرة.
ـ كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا إسلامهم، وبذل نفسهُ في سبيل الله -تعالى-؛ حيث آذاه قومه، وجعلوا الولدان يطوفون به في مكة، وهو يقولُ: "أحدٌ أحد".
ـ كان من مناقبه رؤية النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- له في الجنة، لِقوله -صلى الله عليه وسلم- له: (يا بِلالُ بم سَبقْتَنِي إلى الجنَّةِ؟ إنني دخَلتُ البارحةَ الجنَّةَ فسمِعتُ خَشخشَتَك أمامي)، وكان عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عنه: "أَبو بكرٍ سيّدنا، وأعتق سيّدَنا"، وإطلاقُ السّيادة عليه من مناقبهِ العظيمة.
ـ كان خازناً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على بيت المال.
ـ كان حاملاً لِعنزة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-؛ أي السُّترة التي يُصلّي إليها المُصلّي لتكون حاجزاً بينه وبين المارّة، فقد جاء عن ابن عُمر -رضي الله عنه- أنّ بلال كان يحمل العنزة لرسول الله في يوم العيد وهو يؤذن.
ـ كان مؤذّن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-؛ فهو أوّل من أذّن له في الإسلام.
ـ كان ممّن تعرّض للأذى في الدّين فصبر، وكان شديد التوكّل على الله -تعالى-.
إسلام بلال بن رباح
ـ كان بلال بن رباح -رضي الله عنه- أوّل من آمن من العبيد، حيثُ كان يرعى غنماً لعبد الله بن جدعان، فرآه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وهو معتزلاً في الغار مع أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فناداهُ وطلب منه اللّبن، فأخبرهُ أنّه ليس معه إلا شاةً واحدة، فطلب منه أن يأتي بها، فحلبها النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وشرِب حتى ارتوى، ثُمّ سقى أبا بكر وبلالٍ -رضي الله عنهما- منها، فكانت الشاة أنشط مما كانت عليه، فدعاه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- إلى الإسلام، فأسلم.
ـ وبقي يأتي إلى نفس المكان لمدّة ثلاثةِ أيام يتعلم الإسلام. فمرّ أبو جهل بعبد الله بن جدعان وأخبرهم أنّ غنمهم أصبحت تنمو منذ ثلاثة أيّام، وأنّ بلال يذهب لمرعى ابن أبي كبشة، فمنعوا بلال من الذهاب إلى المكان، ودخل ذات يومٍ الكعبة، فالتفت فلم يرَ أحداً من قريش، فبصق على الأصنام وقال: "خاب وخسر من عبدكنّ"، فعلمت قريش بذلك، فهرب بلال إلى دار سيّده عبد الله بن جدعان بعد أن طلبتهُ قُريش، فأخرجهُ عبد الله لهم، وأهداهُ لأبي جهل وأُمية بن خلف؛ ليفعلوا به ما يشاؤون.
تعذيب بلال بن رباح من كفار قريش
ـ بعد أن أعلن بلال -رضي الله عنه- إسلامه؛ بدأ المُشركون بتعذيبه، حيثُ كان مملوكاً لأُميّة بن خلف، فكان يجعل في عنقه حبلاً ويدفعه إلى الصبيان يلعبون به وهو يقولُ: "أحدٌ أحد"، ويُخرجهُ سيدهُ أُمية في وقت الظهيرة إلى الرمل شديد الحرارة، ويضعُ على صدره صخرةً عظيمةً، ويُهدّدهُ أن يُبقيه كذلك حتى يموت أو يرجعَ عن إسلامه ويعبد أصنامهم، وهو يقول له: أحدٌ أحد، كما كان يُبالغُ في تعذيبه حتى يرجع عن إسلامه، ولكن بلالاً بقي صابراً ثابتاً على دينه، وبالمُقابل كان أبو جهلٍ يقوم بتعذيبه؛ فيجعلهُ باتّجاه الشمس، ويضع الرحا عليه حتى تُذيبهُ الشمس، ويأمرهُ بأن يكفُر بالله -تعالى-، ولكن بلا -رضي الله عنه- بقي ثابتاً على إسلامه.
ـ فكان بلال من المؤمنين الذين لاقوا العذاب الشديد من الكافرين بسبب إسلامه، وكانوا يُصرّون عليه بأن يكفُر بالله -تعالى-، ولكنّه كان يُقابلُ ذلك كُله بالرفض، وكان يقول: أحدٌ أحد، ويقول: "لو أعلمُ كلمةً تُغيظهم أكثر منها لقُلتها لهم"، وذكر ابنُ سعد أن من أنواع التعذيب التي لاقاها بسبب إسلامه أنهم كانوا يأخُذونه ويمدّونهُ في الزبل، ويقولون له ربُّك اللات والعُزّى، وهو يقولُ لهم: أحدٌ أحد، وأحياناً يُجيبهم: بلا إله إلا الله مُحمدٌ رسول الله، فقام أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بشرائه، ثُمّ أعتقه؛ ليُخلّصهُ من تعذيبهم.
جهاد بلال بن رباح
ـ شهد بلال -رضي الله عنه- جميع الغزوات مع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فشهد معركة بدر، والمشاهد كُلِها، وذهب إلى الشّام في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- للجهاد، وبقي بها مُجاهداً حتى مات.
اتخاذ بلال بن رباح مؤذّنا
ـ تشرّف بلال -رضي الله عنه- بأن كان مؤذّناً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فكان يؤذّن في حضره وسفره، وهو أول من أذّن في الإسلام، ولما فُتحت مكة في السنة الثامنة من الهجرة أمره النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أن يؤذّن على ظهر الكعبة؛ وذلك لجمال صوته، وقيل: إنّه أذّن لأبي بكرٍ -رضي الله عنه- في خلافته.
ـ وبعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- جاء إلى أبي بكر -رضي الله عنه- واستأذنه في الجهاد، فأجابه بأن يبقى معه حتى يتوفى، فبقي معه حتى توفّي أبو بكر، ثُمّ جاء إلى عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- واستأذنه في الجهاد، فقال له مثلما قال له أبو بكر، لكنّه مع ذلك خرج إلى الشّام مُجاهداً، وقيل: إنّه أذّن لِعُمر في الشّام مرةً واحدةً، ورأى بلال النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في المنام، فرجع إلى قبره في المدينة، وبكى عنده، وجاءه الحسن والحُسين ليؤذّن لهما، فصعد إلى سطحٍ وأذّن، وبدأ الناس بالبكاء من صوته ولتذكّرهم لرسول الله.
أعمال بلال بن رباح في خلافة أبي بكر وعمر
ـ بقي بلال في المدينة بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ووفاة أبي بكر، وفي خلافة عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أذن له في الجهاد، فخرج إلى الشام مُجاهداً، ففي خلافة أبي بكر بقي في المدينة، وقيل: إنّه أذن له في الذهاب إلى الجهاد في الشام، وتوقّف عن الأذان بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-.
وفاة بلال بن رباح
ـ توفّي بلال -رضي الله عنه- في دمشق، وقيل: في حلب، في السنة العشرين من الهِجرة، وقيل: في السنة الثامنة عشر من الهجرة، وقيل إنّه توفّي بدمشق ودُفن في مقبرتها عند الباب الصغير، وكان عُمره ثلاثةٌ وستون سنة، وقيل: إنّه توفّي في السّنة الواحدة والعشرين من الهجرة، وكان يبلغُ من العُمر سبعين سنة، وقيل: إنّه توفي في دمشق في العام العشرين للهجرة، وكان قد تجاوز الستين من عُمره، وقيل: تُوفّي في داريّا، وحُمل ودُفن في الباب الصغير، وقيل: بباب كيسان؛ وهي قريةٌ من قُرى دمشق بالغوطة، ودُفن في مقبرة دمشق عند الباب الصغير، وعند وفاته قال: "غداً نلقى الأحبّة، مُحمداً وحزبه".