التفاتة قرآنية
(إذا) أداة شرط و(إن) أداة شرط كذلك، فلماذا اختار الله (إذا)؟.
في لغة العرب إذا قالوا (إن) معناه احتمال وقوعه قليل، فإذا قالوا (إذا)
معناه أن ما بعدها احتمال وقوعه قوي أو واسع أو كثير.
فعندما يستعمل القرآن كلمة (إذا) معناه أن الأصل أن تقرأ القرآن، (فإذا
قرأت القرآن) هذا حاصل، ثم عندما دخلت (إذا) على الفعل الماضي، وقلنا هي إذا
استعملت في الزمان (إذا جاء نصر الله) قرّبته من المستقبل إلى واقع الحال يعني هو
أمر قريب، (فإذا قرأت القرآن) يعني قراءتك للقرآن مسألة قريبة قائمة.
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ): الفاء واقعة في جواب (إذا).
استعذ : أمر من الفعل استعاذ يستعيذ، وهذه صيغة استفعل فيها معنى الطلب
والسعي، فقولك: فهِم غير استفهم: استفهم معناه: سعى طالباً الفهم يعني في الأمر
جهد.
لم يقل القرآن (فإذا قرأت القرآن فقل أعوذ بالله) لأن ذلك تلقين، الآية
تريدنا أن نبذل جهداً باستحضار معنى استعاذ (فاستعذ) لم يقل (أعوذ) أو (عُذ) لأن
هذا أمر بالفعل.
لكن استعمل صيغة استفعل، ففيها معنى الطلب، يعني يريد لك أن تستحضر، ويكون
لديك جهد في الاستحضار والاستعاذة، أو العوذ بالله سبحانه وتعالى.
الآية تريدنا أن نكون حاضري الذهن، أن نبذل جهداً في التفكر بالاستعاذة،
يعني هناك طلب أن تطلب العوذ وأن تبذل جهداً، وفرق بينها وبين ما ذكرناه.
عندما تستعيذ؛ تستعيذ بالله تعالى من كل ما يحضرك، وأنت بحاجة إلى صرفه
عنك حين تقرأ، أن يصرف عنك الأفكار ، الخواطر ، الحزن، الأهواء، كل ما تريد، استعذ
بمعنى الجأ؛ تقول فلان رمي بسهم فعاذ بشجرة، بمعنى استجار أو اختبأ أو اتّقى أو
لاذ.
فهكذا ينبغي أن تتصور أنك تستعيذ، تستجير، تستنجد بالله، (فاستعذ بالله)
أي تصور أنك تلجأ إلى الله تعالى ليخلصك من كيد الشيطان، عند ذلك تكون في مأمن.
القرآن الكريم استعمل كلمة الشيطان، ولم يقل إبليس لأمرين:
أولاً- إبليس هو اسم أبي الشياطين الذي أبى أن يسجد لآدم، وأول من عصى
ربه تعالى، وليس شرطاً أن يكون هو الذي يأتي ليوسوس لك بنفسه، لأن له ذرية (إنه
يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) وكل إنسان وُكّل به شيطانه.
ثانياً- كلمة إبليس فيها معنى الانكسار والخذلان والحزن، بينما الآية
تريد أن تحذّر، (الشيطان الرجيم): كلمة الشيطان من الشطن الذي هو الحبل الممتد،
يعني أن هذا الشيطان يمتد إليك، فكن حذراً منه.
ولكي لا يغالي الإنسان في كثرة الخوف منه جاءت كلمة الرجيم، وكلمة الرجيم
وصف هو أنسب الأوصاف للشيطان في هذا الموضع، يعني لم يقل الشيطان اللعين، وإنما
الرجيم حتى تتخيل صورته وهو يُرجم بالحجارة، فكأنه منشغل بنفسه، فكلمة شيطان فيها
معنى الحبل الممتد إليك حتى لا تتهاون في شأنه، وكلمة رجيم حتى لا يبلغ بك الخوف
منه مبلغاً عظيماً، فهو رجيم مرجوم.
المصدر: الدكتور فاضل صالح السامرائي