التفاتة قرآنية
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (22)﴾ البقرة
السماء بناء لأن هناك نظاماً للجاذبية فيما بين الكواكب، لولا حركة
الكواكب في مساراتٍ مغلقةٍ لأصبح الكون كُتلةً واحدة، لأن الجسم الأكبر يجذب
الأصغر، فحركة الكواكب ينشأ عنها قوى نابذة تكافئ القِوى الجاذبة، لولا هذه
المسارات المُغْلقة لاضطربت الحركة؟
كل كوكبٍ يدور في مسارٍ مغلق، تتناسب هذه الدورة باتساعها وسرعتها مع قوة
جذب النجم الآخر له، فينشأ ما يُسمى في الميكانيك توازن حركي، كل شيء متحرِّك وكل
شيء متوازن، هذا بناء ضخم.
لو أتيت بسطحٍ مستوٍ تماماً وجئت بكتلتين مغناطيسيتين بحجم بعضهما تماماً
وأتيت بكرةٍ بينهما، لاستطعت بجهد خيالي أن تثبِّت هذه الكرة في المتوسط بين
الكُتلتين، بحيث يتكافأ جذب الكُتلتين لهذه الكرة لتقف في الوسط، أما لو زاحت
عُشْر الميليمتر لانجذبت إلى الكتلة الأولى، لو زاحت عُشر الميلي بجهة الكتلة
الثانية لانجذبت إلى الكتلة الثانية، فهي تحتاج إلى جهد كبير جداً كي تستقر في
الوسط، أما إذا كانت الكتلتان غير متساويتين، تحتاج إلى حسابات رياضية كثيرة جداً،
وإذا كانت الكتلتان ثلثين وثلثاً فلا بدَّ من أن تضعها في مسافةٍ تتناسب مع جذب
الكبرى ومسافةٍ تتناسب مع جذب الصغرى، كلها حسابات.
أما إذا كانت هذه الكتل في فراغ وكانت متحرِّكة وبأحجام مختلفة، ومسافات
مختلفة، وسُرعات مختلفة، فالإعجاز أن تتوازن هذه الكتل المتفاوتة في الحجم والسرعة
والمسافة وهي في فراغ ومتحركة، والمحصلة توازن، هذا هو التوازن الحركي المعجز.
الله سبحانه وتعالى هو الذي بنى هذا النظام، وبنى المجرَّات، التي وصل
علم الانسان لحد الآن الى ان هناك مليون ملْيون مجرة، وفي أكثر هذه المجرات مليون
ملْيون كوكب ونجم، وكل هذه المجرات مُترابطة مع بعضها البعض بقوى التجاذب،
ومتحرِّكة بمساراتٍ مغلقة حيث إن هذا الكون مبنيٌ بناءً رائعاً أساسه التوازن
الحركي.
﴿إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا (41)﴾ سورة
فاطر
الزوال هو الانحراف، أي أن لكل كوكب من كواكب الكون مسار، لو أن الأرض
مثلاً في دورتها حول الشمس خرجت عن مسارها وابتعدت قليلاً عنها، تُصبح كوكباً
جليدياً متجمِّداً تنعدم فيها الحياة، وإذا ثبتت الأرض من دون أن تدور تهبط حرارة لأن
الوجه غير المقابل للشمس إلى مئتين وسبعين تحت الصفر، فتنعدم الحياة، ولو أن الأرض
توقفت لصار طرف الوجه المقابل للشمس ثلاثمئة وثلاثين درجة وانتهت الحياة.
عظمة الكون تدلنا على الله،ـ ومعرفة الله عِلَّة وجودنا، ومعرفة الله
تسمو بنا، ومعرفة الله تسعدنا، ومعرفة الله تحقق الهدف من وجودنا، ومعرفة الله
تُفْضي بنا إلى الجنة وهذا هو الأصل.