يرى الغزاليّ أنّ الكبيرة هي المعصية التي يفعلُها الإنسان من غير خوفٍ، أو حذرٍ، أو ندمٍ
عرّف العلماء الكبيرة بما يأتي:
- المعصية التي عليها عقوبة دنيوية: الكبيرة هي ما كانت حراماً محْضاً ورتّب عليه الشّرع عُقوبةً بنصٍّ قاطعٍ إمّا في الدُّنيا؛ كالقتل والسرقة، أو في الآخرة، وقال الإمام الماورديّ إنّ الكبيرة هي التي توجبُ الحدّ، كما جاء عن الإمامِ أحمد أنّ الكبيرة ما أوجبت حدّاً في الدُّنيا، ومن هذه الكبائر الزّنا.
- المعصية التي عليها وعيد في الآخرة: الكبيرة أيضاً هي الذُّنوب والمعاصي التي جاء فيها وعيدٌ في الآخِرة من عذابٍ أو غضبٍ أو لعنٍ من الله -تعالى- ورسوله لِفاعلها، وقال بعض العلماء هي ما جاء فيها الوعيد لِفاعلها بالنّار والعذاب إمّا في الكِتابِ أو السُنّة، وجاء عن ابن عباس -رضيَ الله عنهما- أنّها الذُّنوب التي ختمها الله -تعالى- بالنّار، أو الغضب، أو العذاب.
- ويرى الغزاليّ أنّ الكبيرة هي المعصية التي يفعلُها الإنسان من غير خوفٍ، أو حذرٍ، أو ندمٍ؛ كالمتهاون بارتكابها والمُتجرِّىء عليها بعادته، وأمّا الواحديّ فذهب إلى أنَّ الكبائر ليس لها حدٌّ واضح أو معلوم، وقد أخفاها الله -تعالى- عن عباده؛ لكي لا يتجرّؤوا على معصيته، ولكي يبتعدوا عن جميع المعاصي.
كيفية معرفة الكبائر
- إنّ العلامات أو الضوابط التي يُمكن من خلالها معرفة الكبائر هي: النّص من الشّارع على ترتيب العُقوبة عليها في الدُّنيا، أو الوعيد في الآخرة، أو النّصّ عليها بأنّها من الكبائر، والحِكمة من عدم البيان في بعض المعاصي بكونها من الكبائر أم لا؛ ليكون ذلك مانعاً للمُسلم من الإقدام على فعلها مخافة أن تكون من الكبائر، وتعدّدت أقوال العُلماء في عددها، وذهب بعضهم إلى عدم حصرها بعددٍ مُعين، وضابطها ما كان يترتّب على فعلها الحدّ في الدُّنيا، والوعيد والعقاب في الآخرة.
- وقد ذهب ابن حجر الهيتميّ إلى حصرها بما نصّ القرآن الكريم على تحريمه بلفظ التّحريم، وهي أربعة أشياء: أكل لحم الخنزير، وأكل لحم الميْتة، وأكل مال اليتيم بالباطل، والتولّي والإدبار من الزحف؛ أي المعركة، وقيل إنّها سبعة؛ لما ورد في قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ)، وقيل: إنّها ثمانية بإضافة عُقوق الوالدين إلى السّبعة الواردة في الحديث السابق، وقيل إنّها تسعة، وقال ابنُ مسعود -رضيَ الله عنه- هي عشرة، وقال الإمام الزّركشيّ: أربعة عشر، وقيل أكثر من ذلك.
- وجاء في بعض الأدلّة ما يدلّ على أنّ بعض الذُّنوب والمعاصي تُعدّ من الكبائر؛ وورد ذلك بدلالة صريحة، كقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلَاثًا، قالوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكانَ مُتَّكِئًا فَقالَ- أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، قالَ: فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ)، وفي الحديث دلالةٌ واضحة على أنّ شهادة الزّور من أكبر الكبائر، وهو من الأحاديث المُتعلِّقة بالقضاء، وتُعدُّ شهادة الزّور من أكبر الكبائر؛ لِما فيها من نصرٍ للظّالم، وضياعٍ لحق المظلوم، وتضليلٍ للقضاء، وإثارةٍ للفتنة بين النّاس، ومن أكبر الكبائر أيضاً ما ورد في صحيح البُخاريّ: (إنَّ مِن أكْبَرِ الكَبائِرِ أنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ. قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: يَسُبُّ الرَّجُلُ أبا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ).
أسماء وتعبيرات أخرى للكبيرة
- إنّ من الأسماء الأُخرى للكبيرة الْحَدِّ أَوْ الْعَدِّ، وقال بذلك الإمام الزركشيّ، وجاء في كلام الفُقهاء وفي الأحاديث لفظ الموبقات أو الموبقة، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ)، وكذلك بلفظ الفاحشة، لِقولهِ -تعالى-: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)، وقال الإمام النّوويّ إنَّ النبيّ ذكر الكبائر السّبع على سبيل المثال لا الحصر؛ وذلك لكون هذه السّبع من أفحش الكبائر التي كثُر وقوعها.
- وأمّا السبب في تسميتها بالكبائر؛ فقد ذهب الإمامُ القرافيّ أنّ ذلك بسبب المفسدة الحاصلة بفعلها، فالكبيرة ما كان فسادُها عظيماً.
درجات الكبائر وتفاوتها
- ذهب الفُقهاء إلى تقسيم الكبائر إلى كبيرةٍ وأكبر، وذلك بحسب ما يترتّبُ عليها من الفساد، وذكرنا في الفقرات السابقة بعض الأحاديث التي تُبيّن بلفظٍ صريح أكبرُ الكبائر؛ كشهادة الزّور، والإشراك بالله -تعالى-، وقال ابن حجر: إنّ المقصود من الأحاديث ليس حصر الكبائر بعددٍ معيّن، بل ثبت أنّ هُناك بعض المعاصي من أكبر الكبائر أيضاً، وأوصلها إلى عشرين بعد أن ذكر الأحاديث المتعلّقة بها، وبعد إسقاط المُتكرّر منها بلغت ثلاث عشرة كبيرة؛ ومنها قتل النّفس، واليمين الغموس، وسوء الظن بالله -تعالى-.
- وتختلف درجات الكبائر وتتفاوت في الإثم والعُقوبة، فبعضُها أشدّ من بعض، وليس كُلّها على درجةٍ واحدة، وكلّ كبيرةٍ تنقسم إلى كبيرٍ وأكبر، وعظيمٍ وأعظم، وفاحشٍ وأفحش، فالشّرك بالله -تعالى- من أكبر الكبائر، وإن كان هذا الشّرك بجعل النّد لله -تعالى- من خَلقِه كان أكبر وأفحش، وقتل النّفس من الكبائر، وإن كان في الأشهر الحُرم فهو أعظم، والكذب من الكبائر، فإن كان كذباً على الله -تعالى- ورسوله فهو أشدّ فُحشاً وإثماً، ومن أكبر الكبائر ما يأتي:
* الإشراك بالله -تعالى-: وهي من الذُّنوب التي تُخلِّد صاحبها في النّار.
* عُقوق الوالدين: ويكون ذلك بقطع الصّلة بين الابن ووالديه، والإساءة لهُما، وجحد فضلهما.
* شهادة الزّور: وهي الشّهادة الكاذبة بغير حقٍّ بأمرٍ ما عند القاضي.