أهمية فقه القرآن في حياة المسلم

أهمية فقه القرآن في حياة المسلم

كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون خمس آيات أو عشراً حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل

-يقول سفيان الثوري الإمام الكوفي، الذي قال عنه الذهبي: (هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد مصنف كتاب الجامع)، يقول الثوري متحدثا عن تجربته العلمية: (ليتنى لم انشغل إلا بالقرآن) وقال في ذات السياق: (ليتني كنت اقتصرت على القرآن) وبذات منهجية المراجعة وقف شيخ الإسلام ابن تيمية عند تجربته في طلب العلم وتعليمه فقال: (وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن)، هذه المراجعة من عالمين علمين جللين تجلعنا نقف وقفة تأمل في أهمية القرآن وفقه معانيه ومقاصده في إحياء الأمة من جديد.

 -حين رفع أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام قواعد البيت الحرام في مكة المكرمة، توجه إلى ربه بدعاء خاص طلب فيه من الباري عزوجل امتيازات خاصة لهذه الأمة، ومن ذلك ماحدثنا عنه القرآن في  قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة من الآية:129]، تعلم الكتاب؛ من أعظم ما ينبغي أن تعي أهميته الأمة عموماً ومدارس العلم وصناعة الوعي خصوصاً، فمنهجية تلاوة القرآن بفهم وتدبّر ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك، هي التي تؤسس لصناعة كل أشكال النهضة المادية والمعنوية في الأمة، فالقرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة اللفظية فحسب؛ بل نزل من أجل هذا ومن أجل ما هو أعم وأكمل؛ وهو فهم معانيه وتدبر آياته ثم التذكر والعمل بما فيه.

-قال الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة من الآية:121] وقد فسر قتادة أن الصحابة هم الذين كانوا يتلونه حق تلاوته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم.

-تلاوة كتاب الله لها معنيان أحدهما: القراءة المرتلة المتتابعة، وقد أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل:91-92]، وكان صلى الله عليه وسلم يتلوه على كفار قريش قال تعالى: {قُل لَّوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} [يونس من الآية:16]، والمعنى الثاني للتلاوة الاتباع؛ قال ابن عباس: "يتبعونه حق اتباعه"، وقال عكرمة: "يتبعونه حق اتباعه باتباع الأمر والنهي فيُحلون حلاله، ويحرمون حرامه ويعملون بما تضمنه".

-تلاوة القرآن بإقامة الألفاظ وضبط الحروف مطلوبة، ثم العمل بما تضمنته الآيات المتلوة مطلوب كذلك، فالفهم والتدبر بالتلاوة هو المقصود، وليس مجرد التلاوة وتحريك اللسان بالألفاظ بدون فهم وفقه واهتداء، قال عبد الله بن مسعود: "والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يُحِلَّ حلالَه، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوَّل منه شيئاً على غير تأويله".

-كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون خمس آيات أو عشراً حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل، قال أبو عبد الرحمن السلمي أحد أكابر التابعين: "حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً".

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع