تحتل الزراعة مكانة عميقة في تطوّر الإنسانية؛ فهي أحد الأنشطة الأولى التي مارسها عندما بدأ الاستيطان.
ـ ما زال العلماء يشاركون في العديد من المشاريع البحثيّة التي تركز على تحديد الكواكب الأخرى الصالحة للحياة، فكوكب المريخ يكشف المزيد من الأدلّة على أنه ربما كان يحتوي على ماء على سطحه ويمكن أن يصبح يومًا ما صالحًا لعيش البشر، حيث تكرّس المنظمات الدولية الوقت والموارد لتنمية حياة الإنسان خارج الأرض، فعلى سبيل المثال توفر محطة الفضاء الدولية منصّة تعاونية يمكن من خلالها البحث في التحديات الحرجة المتمثلة في وضع البشر في الفضاء لفترة زمنيّة مستدامة منها الإنتاج الزراعي على أسطح الكواكب أو الأقمار في الفضاء الخارجي، حيث سيعرض هذا المقال معلومات عن زراعة الفضاء.
مُقوّمات الزراعة
ـ تحتل الزراعة مكانة عميقة في تطوّر الإنسانية؛ فهي أحد الأنشطة الأولى التي مارسها عندما بدأ الاستيطان؛ فالزراعة تفي بالاحتياجات الأساسية للعديد من السكان مثل الغذاء والمأوى والملابس، ويُؤثر على نمو النباتات عدة عوامل منها أشعة الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون والتربة التي توفر المعادن والمغذيات اللزمة لصُنع الأحماض الأمينية ومن ثم صنع البروتينات وأهمها النيتروجين؛ وعلى الرغم من وفرة وجود النيتروجين في الهواء بنسبة 78% إلّا أنّ النباتات لا يمكنها استخدامه مباشرة من الهواء إنما تعتمد على البكتيريا الحية في جذورها لمعالجة النيتروجين في الغلاف الجوي في علاقة تكافلية، وبهذا فإن زراعة الفضاء تُعدّ تحدّيًا في غياب العديد من العناصر الأساسية لنمو النبات.
زراعة الفضاء
ـ يُقصد بزراعة الفضاء النباتات التي تنمو في الفضاء الخارجي سواء داخل المركبات الفضائية أم على أسطح الأجرام السماويّة ويعتقد "جياكومو سيرتيني" وهو باحث في قسم علوم النبات والتربة والعلوم البيئية في جامعة فلورنسا بإيطاليا أنّ استعمار أراضٍ جديدة يُعتبر جوهريًا لدى الإنسان وبالتالي فلا يجب أن يُعتبر توسيع أفق الناس إلى الفضاء الخارجي أمرًا غريبًا على الإطلاق فقد يكون نقل الأشخاص وإنتاج الأغذية ضروريًا في المستقبل.
ـ قام "سيرتيني" وزميله "ريكاردو سكالينغي" من جامعة باليرمو بإيطاليا بنشر دراسة في علوم الكواكب تضم بعض الادعاءات المشجعة على فكرة أنّ أسطح الزهرة والمريخ والقمر مناسبة للزراعة في كل العصور ورغم كون وجود تربة مناسبة للزراعة على تلك الأسطح لا زال تحت الدراسة إلّا أنّه يتم الآن تطوير زراعة بدون تربة، والتي يمكن أن تشمل العديد من المواد المتنوعة، وبما أنّ المريخ والقمر وغيرها من الكواكب لا تحتوي على المواد المغذّية اللازمة كالموجودة في الأرض كان لا بدّ من إجراء الدراسات لإيجاد آلية تُمكّن الإنسان من زراعة الفضاء، وهذا ما قامت به جامعة زيوريخ فقد استطاعت إيجاد بعض الأفكار للتغلّب على هذه المشاكل، وهي كالآتي:
ـ شحن التربة والأسمدة إلى الفضاء، وهذا يأتي بتكلفة اقتصادية وبيئيّة كبيرة.
ـ استعمال هرمون " ستريغولاكتون" الذي قد يكون قادرًا على زيادة إنتاج المحاصيل من خلال تشجيع العلاقة التكافلية بين جذور النباتات والفطريات في التربة.
ـ استبدال التربة بفطريات "الميكوريزا" وهي نوع من الفطريات الدقيقة التي تتكون من خيوط مجهريّة ترتبط مع بعضها عبر شبكة غزل فطرية، تقوم بالارتباط مع النباتات وتشكيل علاقة تكافلية معها؛ حيث تقوم هذه الفطريات بتوفير الماء والنيتروجين والفوسفات في مقابل السكر الزائد في النبات.
ـ تطوير أجهزة فعّالة وبسيطة يمكنها الاحتفاظ بالمحاصيل أثناء نموها بالإضافة إلى كون هذه الأجهزة تلقائية بحيث تكون قادرة على تنظيم الري والرطوبة والإضاءة وتدوير الهواء وتسليم المواد الغذائية، كما يجب أن تكون أيضًا إلى قادرة على الاندماج مع نظام دعم الحياة لتبادل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين بنجاح.
تحديات زراعة الفضاء
ـ إنّ بناء مستعمرة قابلة للحياة في أي مكان خارج الغلاف الجوي للأرض سوف يُشكّل تحدّيات هندسية ولوجستية على عكس أي شيء شهده الإنسان حيث لن يتم فقط نقل الناس إلى الفضاء بل يجب توفير المأوى لهم وإطعامهم، ولفهم هذه التحديات التي تواجه زراعة الفضاء لا بدّ أولًا من النظر في بعض العناصر التي تؤثر على نمو النبات في الفضاء، وهي كالآتي:
ـ الجاذبية: تقوم تجارب زراعة الفضاء الحالية بدراسة الجوانب المختلفة للزراعة في البيئة ذات الجاذبية الضئيلة أو المعدومة كما هي الحال في الفضاء الخارجي.
ـ الإضاءة الصناعية: بعكس معظم النباتات على الأرض، فليس لدى النباتات في الفضاء إمكانية الوصول إلى كميات كبيرة من أشعة الشمس الطبيعية، لذا يتم استخدام الإضاءة الصناعية، ويُعدّ اختيار الإضاءة في غرف النمو أحد الاعتبارات المهمة لعدة أسباب منها أن موارد الطاقة محدودة في الفضاء، بالإضافة إلى أن أنواع الإضاءة المختلفة تُنتج مستويات مختلفة من الحرارة، والحرارة الزائدة هي شيء يجب على المركبة الفضائية التخلص منه.
ـ الملوثات: تختلف الظروف التي تنمو فيها النباتات في الفضاء عن تلك الموجودة على الأرض، لذا يدرس الباحثون ما إذا كانت هناك احتمالية لوجود ملوثات أو كائنات خطرة من الفضاء قد تُؤثر على النباتات التي تنمو فيها والتي قد تجعلها غير مستهلكة للبشر.
ـ المساحة المحدودة: تختلف الحجرات الضيّقة للمركبات الفضائية عن الأراضي الزراعية الضخمة المتداولة على الأرض، لذا يجب على الباحثين تطوير أجهزة يمكنها احتواء النباتات في المساحات الضيقة.