أحداث تاريخية: حريق لندن الكبير

أحداث تاريخية: حريق لندن الكبير

شرّد حريق لندن الكبير حوالي 100000 شخصٍ، وأودى بحياة ستة أشخاصٍ فقط، ودمّر ما يزيد عن 13200 منزلًا.

- يكاد لا يخلو تاريخ أي مدينةٍ حول العالم من الكوارث المدمّرة والأحداث المفجعة، وإنّ مدينة لندن العاصمة الإنكليزيّة ليست استثناءً، فخلف جدران المدينة الجميلة وضمن أحيائها وأزقتها العريقة، يقبع تاريخٌ أليمٌ وذكرياتٌ مأساويّةٌ مليئة بالأحزان والإغمام، ويعود ذلك إلى حريق لندن الكبير الذي اندلع في ستينيات القرن السادس عشر واجتاح المدينة بأكملها، مخلّفًا خسائر بشريّة ومادّية وذكريات سوداء تكاد تكون مستحيلة النسيان.

حريق لندن الكبير بين اندلاعه وإخماده

- بعد معاناةٍ طويلةٍ من وباء الطاعون الذي أودى بحياة الملايين حول العالم، تأمّل الناجون من الوباء في لندن بعامٍ جديدٍ أفضل، ولكن للأسف؛ ففي عام 1666، وتحديدًا في الثاني من سبتمبر أيلول، اندلع حريقٌ هائلٌ في مخبز الملك (King’s bakery) في بودنغ لين (Pudding Lane) المنطقة الواقعة بالقرب من جسر لندن، وقد كان عمدة لندن آنذاك السير توماس بلورث (Thomas Bloodworth).

- سرعان ما اشتدّت النيران وشبّت الحرائق المخيفة بالمنازل المجاورة، حيث ساعدت الرياح الشرقيّة بانتشار الحريق، واشتعلت النيران بما يزيد عن 300 منزلٍ مجاورٍ، واجتاحت ألسنة اللهب الشوارع والأحياء المجاورة، وفشلت جميع المحاولات بإخماد الحريق، وسادت الفوضى المدينةَ الجميلة، وانتاب الذعر سكان المدينة، الذين حاولوا الهرب عن طريق نهر التايمز (Thames) باستخدام القوارب.

- بحلول الرابع من سبتمبر، كانت نصف لندن تشتعل نيرانًا، انضمّ الملك تشارلز الثاني (King Charles II) بذات نفسه إلى الرجال لمساعدتهم في إخماد حريق لندن الكبير ذاك، كما أمر بهدم المنازل في محاولةٍ بائسةٍ لمنع توسّع رقعة الحريق، وكملاذٍ أخير استخدموا البارود لتفجير المنازل الموجودة في مسار انتشار النيران، والذي أثار المزيد من الخوف والرهب بين سكان المدينة، ظنًا منهم أنّه غزوٌ فرنسيٌّ.

- وصلت النيران إلى كاتدرائيّة القديس بولس (St.Paul’s Cathedral)، والتهمت الأعمدة والزخارف والتماثيل المصنوعة من الرصاص، وسال الرصاص المنصهر في شوارع لندن بمشهدٍ رهيبٍ، وبحلول السادس من سبتمبر؛ أي بعد مرور أربعة أيامٍ من اجتياح النيران لمدينة لندن، استطاع السكان إخماد الحريق أخيرًا.

الخسائر الماديّة والبشريّة

- شرّد حريق لندن الكبير حوالي 100000 شخصٍ، وأودى بحياة ستة أشخاصٍ فقط، ودمّر ما يزيد عن 13200 منزلًا، و87 كنيسةً من أصل 109 موجودة في المدينة، وما يزيد عن 436 فدانًا، والتهمت النيران المركز التجاري الرئيسي في لندن ألا وهو مبنى رويال إكستشينج (The Royal Exchange)، ومدرسة جيلدهول (Guildhall)، وكاتدرائيّة القديس بولس، ونجا فقط 20% من مباني مدينة لندن من الحريق، وربمّا كان برج لندن أعجوبةَ عصره، إذ حالفه الحظ ببقائه شامخًا في سماء لندن، وقدرّت الخسائر الماديّة بحوالي 7 مليون جنيه إسترليني.

واقع المدينة في العام 1660

- بالعودة إلى ستينيات القرن السادس عشر، نجد أنّ السكان لم يكونوا على درايةٍ بمخاطر الحريق، كما أنّ الإدارات المحليّة لم تكن تتمتّع بالوعي الكافي لمكافحة الحرائق أو حتّى الوسائل المناسبة مقارنةً بأيامنا الحاليّة، حيث كانت المباني بشكلٍ عام تُشيّد من الخشب، وكانت تُغطّى بمادة الزفت التي تتمتّع بخواصٍّ قابلة للاشتعال، ممّا زاد الطين بلّة حين نشوب حريق لندن الكبير لاحقًا.

- كان يقطن المدينة حوالي 350000 شخصًا، حيث كانت لندن واحدةً من أكبر مدن أوروبا، وفي عام 1660 لم تكن هناك فرق إطفاء منظمة ومدرّبة، ممّا اضطر السكان لمكافحة الحريق بأنفسهم مستخدمين دلاء المياه والنافورات العامّة والجلود لمحاربة الحريق.

واقع الحال بعد حريق لندن الكبير

- استلزمت إزالة الأنقاض وتنظيف المدينة جهد 1667 عامل، وبحلول نهاية العام أعيد بناء 150 منزلًا فقط! واستخدمت أموال الضرائب الجديدة كضريبة الفحم لتعويض خسائر المباني العامّة مثل الكنائس والمدارس، وأصدر الملك تشارلز التعليمات والقوانين الجديدة والإجراءات اللازمة لمنع تكرّر الحادثة في المستقبل، حيث تم اعتماد القرميد بدلًا من الخشب في بناء المنازل، كما تم توسيع بعض الشوارع، وتم إنشاء شارعين جديدين، وأُعيد رصف الطرق والمجاري، وظهرت لندن بحلّتها الجديدة لتتربّع على عرش أكثر المدن الصحيّة حول العالم.

- كلّف الملك تشارلز المهندس المعماري العظيم السير كريستوفر رن (Sir Christopher) بمهمّة إعادة تخطيط وإعمار مدينة لندن، حيث قام بتصميم كاتدرائيّة القديس بولس، واعتمد على تقسيم الكاتدرائيّة إلى عشرات الكنائس الصغيرة لمنع انتشار الحرائق بسهولةٍ في حال نشوبها، كما قام بإعادة بناء 52 كنيسةً.

 

- وفي سبعينيات القرن التاسع عشر أُقيم عمود تذكاري لإحياء ذكرى حريق لندن الكبير بالقرب من مصدر الكارثة، يعرف اليوم باسم النصب التذكاري لحريق لندن، ويصل ارتفاعه إلى 61 مترًا، ويتميّز بنقوشه التي تروي قصة الحريق المأساويّة، وينسب البعض تصميم النصب إلى المهندس المعماري روبرت هوك (Robert Hooke)، فيما يروي البعض أنّ تصميم النصب يعود إلى كريستوفر رن.

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع