هذا الفتح جاء امتداداً للفتوحات البحرية التي بدأت في عهد الخليفة الرابع عثمان بن عفان للجزر البيزنطية
-يزخر تاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة الأولى؛ بعشرات الفتوحات والمعارك والغزوات التي وقعت خلال شهر رمضان المبارك، وتحقق فيها انجازات كبيرة خالدة في ذاكرة الأيام، فأغلب الغزوات والمعارك التي قادها المسلمون في هذا الشهر الفضيل كانت تُكلَّل بالفوز والانتصار، حيث تجتمع لدى المجاهد الصائم فضيلتي مجاهـدةُ النفس ومجاهدةُ الأعداء، فإنِ انتصر تحقَّق له انتصاران؛ أولهما على هوى النفس، والثاني على أعداء الله، الموسوعة في هذا المنشور ترصد أهم الفتوحات والانتصارات التي حدثت خلال شهر رمضان.
-فتح المسلمون مدينة سرقسطة أعظم مدن جزيرة صقلية في 14 رمضان سنة 264 هـ، الموافق 21 مارس سنة 878م، وهذا الفتح جاء امتداداً للفتوحات البحرية التي بدأت في عهد الخليفة الرابع عثمان بن عفان للجزر البيزنطية شرقي البحر المتوسط.
-بعد سيطرة المسلمين على سواحل البحر الأبيض المتوسط وفقدان الروم هيمنتهم على المنطقة، أصبح المسلمون شركاء في السيطرة على البحر وسفنه وجُزره، خاصةً مع تحكمهم بمعظم الموانئ الهامة المطلة عليه، وفي خلافة عثمان أُذن لمعاوية بن ابي سفيان بالغزو بحرًا، وقد قام بحملات على قبرص وبعض الجزر الرومية اليونانية.
-مدينة سرقوسة من أحصن المدن البيزنطية في جزيرة صقلية، وعز على المسلمين دخولها، وكانت ملاذًا يلوذ به الروم كلما حصرهم المسلمون في تلك المنطقة، وظلت المدينة ممتنعة على الفتوحات، وقصاري كل وال أن يبث في أرضها السرايا فيغنم ثم يعود للحصون الإسلامية، ولا يستطيع فتحها كلية.
-سرقوسة استعصت على الفاتحين المسلمين خلال معارك فتح جزيرة صقلية، ففي عام 825م شهدت صقلية انقلابا قادمه أمير البحر (أوفيميوس) وقائد الأسطول البيزنطي الرابض في صِقِلِّية الذي خرج على الحاكم الروماني، وتمكن من قتله وعين نفسه حاكمًا على الجزيرة، وحينما علم الإمبراطور ميخائيل الثاني أمر بقتل أوفيميوس وأرسل حملةً بقيادة (قسطنطين)، ولكنَّ أوفيميوس تمكن من هزيمة جيش الإمبراطور وقتل قسطنطين، ثم رجت الكفة لاحقا لصالح القوة المرسلة كمدد؛ فلاذ بالفرار إلى إفريقية و لجأ إلى دولة الأغالبة فيتونس طلبا للعون، فعرض سيادة صقلية على (زيادة الله الأغلبي) أمير تونس مقابل عودته إليها ومنحه منصب جنرال، فأرسل زيادة الله الأغلبي جيشاً بقيادة قاضي القيروان أسد بن الفرات سنة 827م.
-بعد أن تمكن الفاتحون المسلمون من معظم أرجاء جزيرة صقلية، تحصن الروم داخل سرقوسة، وبدأوا في رد مناوشات المسلمين بقوة، واضطر المسلمون لمحاصرة المدينة تسعة أشهر برًا وبحرًا لمنع وصول الإمدادات البيزنطية إليها، و كان سقوط سرقوسة كارثة كبرى لبيزنطة وسياستها الحربية، فقد انهارت الجهود الجبارة التي بذلتها سنوات طويلة لإعادة النفوذ البيزنطي إلى ساحل البحر المتوسط.
-اعترف مؤرخو الحضارات بالأثر الجبار الذي خلَّفه المسلمون في المدينة برمتها وفي كامل جزيرة صقلية في مدة وجيزة جدًّا، وقال (كارل بروكلمان) في كتابع (تاريخ الشعوب الإسلامية*: "وفي الحق أن سنوات السلام التي قُدِّر العرب أن ينعموا بها في صقلية (سرقوسة) منذ ذلك الحين كانت كافيةً لنشر حضارتهم، والتمكين لها في ربوع الجزيرة إلى درجة بعيدة، حملت النورمانديين الذين (خلفوا العرب في حكم صقلية) على أن يأخذوا عن العرب نظامهم الإداري ويقتبسوا العناصر الأساسية للثقافة الإسلامية في حياتهم الفكرية والعينية أيضًا".