نشأ السلطان محبًّا للموسيقى والفن كما كان شاعرًا وخطَّاطًا، وفي عهده تطلَّع العثمانيُّون نحو أوربا الناهضة بانبهارٍ شديد
- أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول، هو السلطان الثالث والعشرون من سلاطين الدولة العثمانية، ولد في 3 رمضان سنة (1084هـ الموافق23 ديسمبر سنة 1673م)، وهو شقيق السلطان مصطفى الثاني، درس على يد العديد من علماء عصره، وكان ذكيًّا، مرهف الإحساس، يحب الشعر والخط، وقد استمتع بشبابه، ولم يتعرض مثل أسلافه لقضائها في السجن.
- تولى أحمد الثالث مقاليد الحكم خلفًا لأخيه السلطان مصطفى الثاني، وذلك في (10 ربيع الثاني 1115هـ الموافق 21 أغسطس 1703م)، إثر تخلي مصطفى عن الحكم في أعقاب ثورة جيش الإنكشارية.
-نشأ السلطان أحمد محبًّا للموسيقى والفن كما كان شاعرًا وخطَّاطًا، وفي عهده تطلَّع العثمانيُّون نحو أوربا الناهضة بانبهارٍ شديد، وكان هو في طليعة النخبة العثمانية التي راحت تقلد مظاهر الحضارة الغربية، فأنفق ببذخٍ على تشييد القصور ذات الحدائق الغنَّاء، التي اقتبس تصميمها من العواصم الأوربية الكبرى وعلى رأسها فيينا، وكان من أشدِّ المغرمين بالزهور، وخاصةً زهرة اللالا أو التيوليب، حتى إن البستانيين في عهده أنتجوا عشرات الأنواع منها، حتى عُرف عصره باسم (عصر اللالا)، وقد انعكس ذلك على الفنون التركيَّة العثمانية خلال سلطنته التي امتدت لقرابة 28 عامًا.
-وزع على الانكشارية الأعطيات الكثيرة في بداية حكمه، وسار مع آرائهم، ثم لمـا قرت الأحوال وعادت السكينة، انقض عليهم وقتل معظم القادة الذين تورطوا في حادث أدرنة وعزل أخيه مصطفى الثاني، فضلًا عن عزله للصدر الأعظم نشانجي أحمد باشا الذي انتخبه الثوار، وذلك في (6 رجب سنة 1115هـ=15 نوفمبر سنة 1703م).
-اختار السلطان زوج اخته داماد حسن باشا، لمنصب الصدر الأعظم، وعهد إليه بإجراء إصلاحات سياسية وعسكرية لدفع البلاد نحو التطور، ولحماية حدودها من مخاطر الغزو الروسي، وقام الصدر الأعظم بواجباته بإخلاصٍ كبير، فقام بالاهتمام بإنشاء القلاع وتجديد الترسانة، كما أنشأ الكثير من المدارس، وتم عزله في (28 جمادى الأولى 1116هـ=28 سبتمبر سنة 1704م)، ومن بعده كثر تغيير الصدور تبعًا للأهواء.
- أرسل السفراء والوفود إلى أرجاء أوربا لجمع المعلومات عن مدى التطور الذي أحرزته أوربا في مجالات الحياة المدنية والتنظيم، وفي مجال تنظيم وتدريب وتسليح الجيوش، ولكن تعنت الإنكشارية وخشيتهم من ضياع امتيازاتهم إذا ما أعيد تنظيم الجيوش العثمانية على النمط الأوربي، حال دون رغبة السلطان في تحديث الجيش.
-من أهم إنجازات السلطان أحمد الثالث؛ تأسيس أول مطبعة عثمانية على يد العالم إبراهيم متفرقة عام (1139هـ الموافق 1727م)، حيث أصدر فرمانًا م يجيز فيه تأسيس "مطبعة"؛ لكونها تُؤدِّي إلى نشر المعارف والعلوم بين أفراد الأمَّة الإسلامية، فسمح الفرمان بطباعة كافَّة الكتب عدا كُتب "الفقه"، "التفسير"، "الحديث الشريف"، وكتب "علم الكلام" بموافقة شيخ الإسلام "ينيشيهرلي عبد الله أفندي"، الذي أُدرجت فتواه في نصِّ فرمان السلطان، وبتقريظ مجموعة من العلماء والقضاة لرسالة "وسيلة الطباعة" بكلمات تؤكد على تأييدهم لفكرة تأسيس المطبعة، مع وضع كلِّ هذا في بداية أول إنتاج المطبعة، وهو معجم "وان قولو".
-بسبب عدم ميل السلطان للحرب ورغبته في الصلح مع الفرس، ثار الانكشارية وأهاجوا الأهالي فأطاعوهم طلبًا للسلب والنهب في ١٥ ربيع الأوَّل ١١٤٣ (الموافق ٢٨ سبتمبر سنة ١٧٣٠م)، وطلب زعيم هذه الثورة المدعو «بترونا خليل» من السلطان قتل الصدر الأعظم والمفتي وقبودان باشا؛ أي أميرال الأساطيل البحرية؛ بحجة أنهم مائلون لمسالمة العجم، فامتنع السلطان عن إجابة طلبهم، ولما رأى منهم التصميم على قتلهم طوعًا أو كرهًا، فخوفًا من أن يتعدَّى أذاهم إلى شخصه سلَّم لهم بقتل الوزير والأميرال دون المفتي فقبلوا وألقوا جثثهم إلى البحر، لكن لم يمنعهم انصياع السلطان لطلباتهم من التطاول إليه، بل جرَّأهم تساهله معهم على العصيان عليه جهارًا، فأعلنوا بإسقاطه في مساء اليوم المذكور عن منصة الأحكام، ونادوا بابن أخيه السلطان محمود الأوَّل خليفة للمسلمين وأميرًا للمؤمنين، فأذعن السلطان أحمد الثالث وتنازل عن الملك بدون معارضة، وكانت مدَّة حكمه ٢٧ سنة و١١ شهرًا.