فتوحات الأمة وانتصاراتها في رمضان: معركة عين جالوت

فتوحات الأمة وانتصاراتها في رمضان: معركة عين جالوت

موقعة ملحمية كتب فيها الانتصار للجيوش الإسلامية، وكانت مقدمة لنهاية غزو المغول للعالم الإسلامي

-يزخر تاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة الأولى؛ بعشرات الفتوحات والمعارك والغزوات التي وقعت خلال شهر رمضان المبارك، وتحقق فيها انجازات كبيرة خالدة في ذاكرة الأيام، فأغلب الغزوات والمعارك التي قادها المسلمون في هذا الشهر الفضيل كانت تُكلَّل بالفوز والانتصار، حيث تجتمع لدى المجاهد الصائم فضيلتي مجاهـدةُ النفس ومجاهدةُ الأعداء، فإنِ انتصر تحقَّق له انتصاران؛ أولهما على هوى النفس، والثاني على أعداء الله، الموسوعة في هذا المنشور ترصد أهم الفتوحات والانتصارات التي حدثت خلال شهر رمضان.

-التقى جيش المغول بقيادة هولاكو، بجيوش المماليك بقيادة سلطان مصر سيف الدين قُطز، في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 رمضان 658هـ، الموافق 3 سبتمبر 1260م، في موقعة ملحمية كتب فيها الانتصار للجيوش الإسلامية، وكانت مقدمة لنهاية غزو المغول للعالم الإسلامي.

-عجتاح المغول العالم الإسلامي في بدايات القرن السابع الهجري بقيادة جنكيز خان، وكان من أول ما واجهوا في طريقهم دولة الخوارزميين في بلاد فارس وما وراء النهرين، فاكتسحوها وخربوا فيها مدنا وقتلوا خلقا كثيرا، بعد ذلك حكم مونكو خان إمبرطورية المغول عام 1251 م فكان الفعل مشابها تماما في الدولة العباسية، انطلق بعدها المغول بجيش ضخم قوامه 120 ألف مقاتل نحو الشام بقيادة هولاكو معه حلفاؤه من أمراء جورجيا وأرمينيا، وابتدؤوا بمدينة ميافارقين بديار بكر والتي كان يحكمها الكامل محمد الأيوبي، قاومت ميافارقين المغول مقاومة عنيفة إذ استمر الحصار إلى عامين حتى استسلم أهلها بعد نفاذ المؤن وموت معظم السكان وعدم وصول الدعم من المسلمين فدخلوها وارتكبوا مجازرا تقشعر منه الجلود حيث قبضوا على الكامل محمد الأيوبي وقطعوا جلده وأعطوه له ليأكله إلى أن مات فقطعوا رأسه وحملوه على أسنة رماحهم تشفيا وانتقاما منه لصموده وبطولته.

-اتجه المغول بعدها لمدينة حلب فدخلوها بعد حصارها وعاثوا فيها فسادا خلال 7 أيام ثم توجهوا نحو دمشق (في مارس 1260 م/658هـ) وبعد أن أعطوا الأمان لأهلها دخلوها لكنهم نقضوا عهودهم وخربوها، ثم توغلوا جنوب بلاد الشام حتى استولوا على بيت المقدس وغزة والكرك والشوبك بعد أن تحالف حاكمها المغيث عمر مع المغول.

-أرسل زعيم المغول هولاكو رسالة يُبرق فيها ويُرعد إلى  سلطان مصر سيف الدين قُطز  جاء فيها "إن الله تعالى قد رفع شأن جنكيز خان وأسرته ومنحنا ممالك الأرض برمّتها، وكل من يتمرّد علينا ويعصـي أمرنا يُقضى عليه مع نسائه وأبنائه وأقاربه والمتصلين به وبلاده ورعاياه، كما بلغ ذلك أسماع الجميع، أما صيتُ جيشنا الذي لا حصر له؛ فقد بلغ الشهرة كقصة رستم واسفنديار، فإذا كُنتَ مُطيعًا كخدم حضـرتنا فأرسل إلينا الجزية وأقدم بنفسك واطلب الشّحنة، وإلا فكن مُستعدًا للقتال".

-أمر قطز بقتل الرسل الأربعة الذين أرسلهم المغول امتثالًا لنصيحة مستشاره الأمير بيبرس، فقطع رؤوسهم ثم عُلّقت في أشهر مواقع القاهرة وقتها وهي؛ الريدانية (العباسية الآن) وباب النصـر في شمال القاهرة، وباب زويلة في جنوبها، وفي سوق الخيل أحد أهم الأسواق أسفل القلعة؛ ليراها كافة الناس فترتفع معنوياتهم وتنهض هممهم للقاء العدو، وفي 15 شعبان سنة 658هـ/1260م أمر السلطان المظفر قطز بإعلان النفير العام "وسار حتى نزل بالصالحية وتكامل عنده العسكر".

الاستعداد للمعركة

-سبق خروج المظفر قطز لملاقاة التتار استعدادات استمر عدة أشهر، فقد حرص على تأمين الأموال الكافية للإعداد والتموين، والتجهيز العسكري من خلال سحب كافة سُبل الرفاهية من الأمراء المماليك أولاً امتثالاً لفتوى العلامة العز بن عبد السلام الشهيرة، وفرض بعض الضـرائب العقارية وأخذ ثلث الزكاة مقدمًا، ودينارًا على كل إنسان؛ فبلغ ذلك في كل سنة ستمئة ألف دينار مصرية.

-فتحت الدولة باب التطوع أمام العامة، وتم استقدام بعض القبائل العربية التي كانت تابعة لديوان الجيش الأيوبي من قبل، بقيادة أمير العرب شرف الدين عيسى بن مهنى بن مانع، فضلًا عن الاستفادة من عناصر الجيش الشامي الذين جاؤوا لاجئين إلى مصر من الأيوبيين بقيادة الملك المنصور ملك حماة، والأمراء الأكراد والقيمرية والتركمان والشهرزورية وهم العناصر ذوو الخبرة في ميدان القتال في الجبهة الشامية.

-أعاد قطز فتح صفحة جديدة مع الأمراء المماليك الصالحية البحرية الذين هربوا إلى الشام سابقًا، وبعضهم ممن آثر البقاء ولاه قطز قيادة الجيش المصري مثل الأمير المحنّك أقطاي المستعرب، والأمير الشجاع ركن الدين بيبرس وسيف الدين قلاوون وغيرهم.

-تم تحييد القوى الصليبية التي كانت لا تزال تتمركز في منطقة الساحل الشامي من أنطاكية شمالاً إلى صيدا ويافا وعكا وغيرها جنوبًا، فلو تحالف الصليبيون مع المغول في الشام ضد المماليك لخسر المماليك قطعًا لقوة الفريقين وخطرهما، وقد تأكد من ذلك حين توغّل في مناطق النفوذ الصليبي قبل ملاقاة المغول.

المعركة الحاسمة

-تقدم الجيش المصري فرقة استطلاعية بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس، كان هدفها الأول إعادة مدينة غزة، ثم تطهير منطقة العمق الفلسطيني من أي وجود مغولي؛ بل إنها توغلت في الشام حتى وصلت إلى البقاع وحمص كنوع من أنواع التمويه واستدراج العدو لمنطقة أخرى غير منطقة المعركة الفاصلة، وقد نجحت بالفعل في هذا وكانت هذه الهزيمة هي الأولى غير أنها لم تكن حاسمة.

-الجيش المملوكي اتجه من مصر إلى غزة، ثم إلى قرب عكا للتأكد من نوايا الصليبيين، ثم التوجه صوب منطقة مرج ابن عامر في فلسطين، ومنها جنوبًا إلى عين جالوت القريبة من بيسان، وفي تلك المنطقة كانت طلائع القوات المغولية بقيادة نائب هولاكو على الشام القائد العسكري كتبُغا نوين وبمعاونة بعض خونة الأيوبيين مثل الملك السعيد بن عثمان بن العادل ملك الصُّبيبة وبانياس، وأمير حمص قريب الأيوبيين الملك موسى بن إبراهيم بن شيركوه.

-قامت مقدمة الجيش المصري بقيادة بيبرس بهجوم سريع، ثم انسحبت متظاهرة بانهزام مزيف هدفه سحب خيالة المغول إلى الكمين، في حين كان قطز قد حشد جيشه استعدادا لهجوم مضاد كاسح، ومعه قوات الخيالة الفرسان الكامنين فوق الوادي، وانطلت الحيلة على كتبغا فحمل بكل قواه على مقدمة الجيش المصري واخترقه وبدأت المقدمة في التراجع إلى داخل الكمين، وفي تلك الأثناء خرج قطز وبقية مشاة وفرسان مصر وعملوا على تطويق ومحاصرة قوات كتبغا، حيث كان المصريون ينزلون من فوق تلال الجليل، والمغول يصعدون إليهم.

هجم كتبغا بعنف شديد إلى درجة أن مقدمة الجيش المصري ازيحت جانبا، فاستبسل كتبغا في القتال، فاندحر جناح ميسرة عسكر مصر وإن ثبت الصدر والميمنة، وعندئذ ألقى السلطان المصري قطز خوذته عن رأسه إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته (واإسلاماه)، وحمل بنفسه وبمن معه حتى استطاعوا ان يشقوا طريقهم داخل الجيوش المغولية مما أصابها بالاضطراب والتفكك.

-هزم الجيش المغولي؛ ونصح بعض القادة كتبغا بالفرار فأبى الهوان والذل وقتل بعض أصحابه، وجرت بينه وبين رجل يدعى العرينان مبارزة حيث لم يمض وقت طويل عليها حتى سقط كتبغا صريعا مجندلا على الأرض وكان انتصار كبير للمسلمين.

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع