مراد الثاني السلطان العثماني الذي هزم أوروبا وتنازل عن العرش لولده محمد الفاتح

مراد الثاني السلطان العثماني الذي هزم أوروبا وتنازل عن العرش لولده محمد الفاتح

توفي السلطان مراد الثاني عن عمر ناهز 47 عاما أفنى معظمها في توحيد وتوسيع الدولة العثمانية

بعد وفاة السلطان محمد شلبي الأول عام 1421م/824هـ، ارتقى ابنه وولي عهده مراد الثاني إلى سُدة الحكم وهو في السابعة عشرة من عُمره.، فأصبح سادس سلاطين آل عُثمان ورابع من تلقَّب بِلقب سُلطانٍ بينهم بعد والده محمد وجده بايزيد وجد والده مراد، وأول من لقب بِالـ«ثاني» من سلاطين آل عُثمان، وأول من قلد سيف عثمان الغازي عند البيعة.

-واجه مراد الثاني تحديان خطيران؛ الأول بعده عن العاصمة أدرنه حيث كان والياً على مدينة أماسيا، والثاني ظهور عمه "مصطفى شلبي" الذي أعلن نفسه سلطانا في أدرنه، بعدما أطلق الإمبراطور البيزنطي سراحه ليعيد إشعال الحرب الأهلية العثمانية كما أشعلها السلطان المغولي تيمورلنك من قبل.

-قاد مصطفى شلبي جيش الرومللي ليضم الأناضول العثماني إلى قبضته، وسعى لهزيمة وقتل ابن أخيه السلطان مراد الثاني، فاجتاز  خليج (جناق قلعة) من منطقة (غاليبولي)، حتى التقى الجيشان الأناضولي بقيادة مراد، والرومللي بقيادة مصطفى على مشارف مدينة بورصة؛ وأخذ الجانبان ينظر أحدهما إلى الآخر دون أن يُشهر أحد منهما السلاح، وبعد حوار ونقاش، رجحت كفّة الطرف الذي ساند السلطان مراد الثاني، وانضمَّت أعداد غفيرة من جند الرومللي إلى جنود الأناضول، فلم يجد مصطفى إلا الهرب سبيلا للنجاة حتى بلغ أدرنه على حدود البلقان، فطارده السلطان مراد واستطاع القبض عليه وقتله بدعوى أنه انتحل شخصية عمِّه؛ في حين يؤكِّد المؤرخون العثمانيون أن مصطفى كان العم الحقيقي لمراد الثاني بالفعل.

-قرر  مراد الثاني الانتقام من القسطنطينية (العاصمة البيزنطية آنذاك)؛ فحاصرها بجيش بلغت قواته 30 ألف مقاتل. وقد استمر الحصار لفترة طويلة، ولكن في هذه الأثناء وبتحريض من البيزنطيين لفك الحصار عنهم، أعلن "كوجوك مصطفى" (الأمير مصطفى الصغير) أخو السلطان مراد الثاني تمرده وعصيانه، ونصب نفسه سلطانا في "إزنيق" غربي الأناضول، ضطر السلطان مراد لفك الحصار عن القسطنطينية والتوجه صوب إزنيق، وقضى على حركة كوجوك مصطفى وأنزل به عقوبة الإعدام.

-واصل البيزنطيون محاولاتهم لإشعال حرب داخل السلطنة العثمانية، فأوعزوا لأمراء الإمارات التركمانية بالتمرد على الدولة، فقرر السلطان سحق تمردهم، فسيطر على جميع الإمارات، وألحق أراضيها بالدولة العثمانية التي اكتسبت استقرارا وأرضا جديدة في الأناضول بفضل حسمه وسرعته.

- على مدار السنوات العشرين التالية، انخرط السلطان في حروب طويلة مع القوى الأوروبية المناوئة للعثمانيين في البلقان، مثل جمهورية البندقية التي تحكمت بالعديد من الموانئ لصالح البيزنطيين. وكذا المجريين والصرب والألمان الذين بدأوا في تشكيل تحالف صليبي برعاية بابا روما لمواجهة "الخطر العثماني"، إلى جانب الإمبراطور البيزنطي "يوحنا باليولوج" الثامن، أدرك السلطان خطورة هذا التحالف الأوروبي البيزنطي، فشرع في مهاجمة رأس حربته والقوة العسكرية والتجارية الأقرب إليه، وهم البنادقة في سلانيك، فاستطاع ضم البندقية عام 1430.

-عام 1439 سيطرت جيوش السلطان على الإمارة الصربية، فأصبحت منذ ذلك التاريخ ولاية عثمانية. وفي العام التالي تم التوجه نحو بلغراد -عاصمة صربيا اليوم- التي خضعت للمجر آنذاك بهدف ضمها إلى الأراضي العثمانية، إلا أن السلطان مراد تعرض لهزيمة على يد غريمه المجري "يوحنا هونيادي" الذي كان على دراية كبيرة بأساليب وتكتيكات القتال العثماني، وبمجرد أن مالت الكفة لصالح المجريين في البلقان، تحرَّكت بعض الإمارات التركمانية وعلى رأسها "قره مان" للاستيلاء على العديد من أملاكهم القديمة التي ضمَّها مراد الثاني سابقا للدولة العثمانية.

-عاد مراد الثاني إلى الأناضول لمواجهة تمرد القَرَمانيين، ثمَّ ارتأى إبرام معاهدة صلح بين الجانبين. بيد أن خطر الحروب الداخلية بقي قائما، ففي ذروة الصراع العثماني-العثماني أثناء "مرحلة الفترة" هذه، ثم الحرب العثمانية-المجرية، هرب الأمير "أورخان" أحد أحفاد السلطان بايزيد ولجأ إلى البيزنطيين، وحينذاك قرر السلطان التنازل عن العرش وتعيين ابنه محمد الثاني بدلا عنه، الذي سيُعرف بعد سنوات قليلة بمحمد الفاتح.

-سعى السلطان مراد للهدوء والتفرغ للعبادة في مدينة "ماغنيسيا" الهادئة (في اليونان اليوم) فاستغلت البابوية والدولة البيزنطية ذلك وأوعزوا إلى ملك المجر هونيادي كي يرأس حملة صليبية أوروبية على الدولة العثمانية تكوَّنت من جيوش المجر وبولونيا وألمانيا وفرنسا والبندقية والدولة البيزنطية والبابوية، اجتازت هذه الجيوش نهر الدانوب، فاستشار السلطان الجديد محمد الفاتح كبار قادة دولته وعلى رأسهم الصدر الأعظم "جاندرلي خليل" باشا، الذي أصر على استدعاء السلطان مراد الثاني ليعتلي العرش مرة أخرى. وبالفعل قَبِل السلطان محمد هذا الأمر، وأسرع بالإرسال إلى والده الذي عاد إلى عرشه من جديد، ومن ثمَّ أسرع قادما من العاصمة أدرنه بجيش قوامه 40 ألف مقاتل إلى مدينة "فارنا" (في بلغاريا اليوم)، وفي نهاية المطاف تمكن من سحق الجيوش الصليبية.

-حين أتمَّ السلطان مراد مهمة القضاء على الحلف الصليبي وعاد إلى أدرنه، قرر في العام التالي 1445م التنازل مجددا عن العرش، لكن رجال الدولة الكبار والجيش الانكشاري لم يقبلوا بهذا الأمر، وأصر الجميع على أن استقرار الدولة أمام العدو الخارجي مرهون بوجود السلطان مراد الثاني، ولهذا السبب اضطر  للعودة للمرة الثالثة إلى السلطة عام 1446م.

-بعد الانتصار على الجيوش الصليبية والأوروبية، ظهرت مشكلة جديدة في البلقان، وخاصة في ألبانيا التي أعلن أميرها "إسكندر بك" العصيان، وكان العثمانيون قد أقروا عليها أمراءها المسيحيين مقابل التبعية للدولة العثمانية، لذا توجه السلطان مراد وابنه محمد صوب ألبانيا، حتى بلغا وادي قوصوه عام 1448م، واستطاع الجيش العثماني سحق الألبانيين والجيوش الصليبية التي جاءت عضدا لهم بدعم من البابا في روما، وهكذا خابت المحاولة الأخيرة للدول الأوروبية في زحزحة العثمانيين الأتراك من البلقان.

-عام 1451م توفي السلطان مراد الثاني عن عمر ناهز 47 عاما أفنى معظمها في توحيد وتوسيع الدولة العثمانية.

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع