تولى السلطان مراد الرابع عرش الدولة العثمانية، بعد مقتل السلطان عثمان الثاني من قبل الانكشارية وهو في الـ11 من عمره
-تولى السلطان مراد الرابع عرش الدولة العثمانية، بعد مقتل السلطان عثمان الثاني من قبل الانكشارية (1027 ـ 1031 هـ= 1618 – 1622م)،وهو في الحادية عشرة من عمره، واستلمت أمه قُسِم منصب وصية العرش بشكلٍ رسميٍ بصفتها والدة السلطان.
-امتدت فترة حكمه إلى سبعة عشر عامًا، وانقسمت إلى مرحلتين؛ الأولى تسع سنوات من 1623 إلى 1632م، والثانية ثماني سنوات من 1632 إلى 1640م، وكان على الرغم من صغر سنه يحاول أن ينهض بالدولة، ويبث فيها روح الإصلاح، ويبعث الحياة في مؤسسات الدولة التي شاخت وهرمت.
-مرت الدولة في الفترة الأولى من ولايته بحالة من عدم الاستقرار، واستمرار الاضطرابات والفوضى الداخلية التي تجاوزت عاصمة الخلافة إلى أطرافها، حيث أشهر والي طرابلس الشام استقلاله، وفعل الشيء نفسه أباظة باشا والي أرضروم، واستولى على أنقرة.
-سيطرت طوائف الإنكشارية على السياسة العثمانية، وأرغموا السلطانة قُسِم على تعيين وعزل من يريدون، وكان السلطان بعيدًا تمامًا عن الصورة. وفي غضون الفترة من 1623 إلى 1632م تغير منصب الصدارة العظمى ست مرات، ما يشير إلى عدم الاستقرار في الإدارة، وتأثرت مالية الدولة فانخفض المخزون الاحتياطي من الذهب، ولم تهدأ الثورات هنا وهناك. وضاعت هيبة الجيش العثماني، وافتقر إلى النظام والوحدة.
-بعد وصول نبأ ولاية الطفل مراد الرابع تحت وصاية أمه بأقل من شهرين أخرج الشاه عباس الصفوي جيشه لحصار بغداد، لتشتعل الحرب العثمانية الصفوية من جديد، وهذه المرة ستستمر قرابة الستة عشر عاما (إلى 1639م). وفي 12 يناير 1624م سقطت بغداد بيد الصفويين، حاولت الدولة أن تستردها، فبعثت جيشًا يقوده الصدر الأعظم حافظ باشا فحاصر المدينة في (1033 هـ= 1624م) وضيق عليها الخناق، ولكن دون جدوى فتذمر الإنكشارية، وأجبروا الصدر الأعظم على رفع الحصار والعودة إلى الموصل، ومنها إلى ديار بكر، وهناك ثارت عليه الإنكشارية، فعزله السلطان حتى تهدأ الأوضاع، وعين مكانه خليل باشا الذي سبق أن تولى هذا المنصب قبل ذلك، لكنه لم يستمر طويلا، وخلفه خسرو باشا في سنة (1035هـ= 1627م).
-عزل السلطان مراد الرابع أمه عن السياسة، وأمسك هو بزمام الأمور، وجمع رجال الديوان والعلماء، وخطب فيهم خطبة طويلة، ناقش فيها الفساد الذي استشرى في الدولة، والحالة التي وصل إليها الجيش، والمخاوف التي تتعرض لها البلاد، وهدد بأنه سيضرب بيدٍ من حديد على كل من سيخرج عن نظام الدولة، فحمل رجال من أتباع السلطان الكلمات إلى الشعب فخرج يهتف بحياة السلطان، بعد أن سئم من الاضطرابات التي شملت الدولة في العقد الأخير، خاصةً وأن التهديد الصفوي ما زال مستمراً، فأعطى هذا الدعم الشعبي قوة للسلطان فبدأ في خطوات إصلاحه بهمة، لتبدأ المرحلة الثانية من حكمه.
-خرج السلطان مراد على رأس جيشه إلى بلاد فارس سنة (1045- 1635م)، فقام بفتح مدن بالشمال الغربي من إيران سنة 1635م، ثمّ مدينة تبريز فتحها عام 1635م، وتوقف السلطان إلى هذا الحد وعاد إلى بلاده ليكمل استقرار وتحسين البلاد.
-خرج الجيش بقيادة السلطان مراد الرابع في أعداد كبيرة وفي أحسن تجهيز إلى مدينة بغداد وحاصرها سنة 1638م، فسقطت المدينة بعد ما دام الحصار تسعة وثلاثين يوماً، بعد قتال شديد في (25 من كانون الأول عام 1638م) بعد أن بقيت تحت سيطرة الصفويين لنحو خمسة عشر عاماً.
-كانت الجبهات الأوروبية للدولة العثمانية شهدت هدوئاً طوال فترة حكم مراد الرابع؛ وذلك لانشغال أوروبا بحرب الثلاثين عامًا، فلم يحدث تحرش على هذه الجبهات إلا مرتين؛ المرَّة الأولى مع بولندا في عامي 1633 و1634م، والثانية مع البندقية نتيجة تعدِّي البنادقة على سفنٍ تابعةٍ للدولة العثمانية، وفي كلتا المرتين تجنب السلطان الحرب بحكمةٍ لكونه منشغلًا بملف الدولة الصفوية.
-مات السلطان الشاب مراد الرابع وهو في السابعة والعشرين من عمره في 8 فبراير 1640م، وكان موته مفاجئًا للجميع،وتوقع بعضهم أن يحدث انفلا كبير في الدولة نتيجة الخروج من قبضة السلطان القوي؛ لكن ذلك لم يحدث،فقد وضع مراد الرابع نظامًا راسخًا صارمًا ظل صامدًا أمام التحديات التي واجهتها الدولة قرابة نصف قرنٍ من الزمان، وترك جيشه قويا، وإدارة بلاده منظمة، كما ترك خزانة الدولة ثرية، بعد أن كانت قد تعرضت للنضوب في خلال العقد الذي حدثت فيه الفتن (من 1622 إلى 1632م).