وجه السلطان البحرية العثمانية بعد ثلاثة أيام فقط من توليه العرش لمواجهة البنادقة في بحر ايجة
-بعد وفاة السلطان أحمد الثاني، صعد إلى عرش الدولة العثمانية مصطفى الثاني ابن أخيه، وهو ابن السلطان الأسبق محمد الرابع عام 1106 هـ، وكان شاباً في الحادية والثلاثين من عمره، ونظرا لكونه غير مؤهل للمنافسة على العرش، لم يحبس كعميه سليمان وأحمد، ما جعله يتربى تربية طبيعية، وألف الحياة السياسية، واطلع على المتغيرات التي حدثت في الدولة، عاش بين عامي 1664 و1704 م.
-وجه السلطان البحرية العثمانية بعد ثلاثة أيام فقط من توليه العرش لمواجهة البنادقة في بحر ايجة، فهزموا هزيمة كبرى في 9 فبراير 1695م، ثم حققت البحرية نصرًا ثانياً على البنادقة في 18 فبراير، وكان من نتيجة هذين النصرين انسحاب الأسطول البندقي، وتحرير جزيرة خيوس في 22 فبراير، وهذا أعطى الأمان الكامل إلى المضائق البحرية وإسطنبول.
-قرر السلطان الخروج بنفسه على رأس حملة عسكرية كبرى لحرب النمسا، من إدرنة في يونيو 1695م بعد أربعة شهور فقط من ولايته، و بعد ضم النمسا لكامل المجر في الأعوام السابقة، فتمكن بهذه الحملة في 9 سبتمبر من استرداد مدينة ليبوڤا (جنوب غرب ترانسلڤانيا) التي احتلها النمساويون عام 1688م، ثم التقى بعدها في حرب ميدانية ضد الجيش النمساوي في 25 سبتمبر عند مدينة لوجوس ، فحقق نصرًا كبيرًا.
-خرج السلطان في ابريل من العام التالي 1696م، بحملة ثانية لمواجهة النمسا، متجها نحو إقليم تيميشوار مرة أخرى. فحقق الجيش العثماني في 27 أغسطس نصرًا كاسحًا بموقعة أولاش، وكان الجيش الصليبي تحت قيادة أمير ساكسوني أوجست الثاني، وهو الذي سيصبح لاحقًا ملكًا لبولندا، وكانت المعركة شرسة حيث قُتِل من كل طرف حوالي أربعة آلاف.
- للسنة الثالثة على التوالي يخرج السلطان مصطفى الثاني على رأس حملة كبرى لحرب النمسا ناحية تيميشوار. إذ كان يمتاز بالإصرار والرغبة الصادقة في تحقيق النصر، لكنه كان يفتقر إلى الخبرة، فبعد أن شرع الجيش عام 1697، بعبور نهر تيسا في قرية زينتا (في صربيا اليوم) باستخدام 9 جسور كبيرة، قام قائد جيش العدو الأمير يوجين من سافوي، بإطلاق نيران المدفعية عليهم، وتم تسريع مرور الجيش لكن الجسور لم تستطع تحمل الثقل وانهارت ما أدى إلى انقسام الجيش إلى الجانبين، وغرق خمس الجيش البالغ عدده 100 ألف. كذلك لقي ما يقرب من 7500 شخص مصرعهم في القتال، وقتل الصدر الأعظم ألماس محمد باشا والعديد من القادة، وكان عدد الضحايا كبيرا جدا، فتراجع الجيش، وتوقف السلطان عن الأكل والشرب لمدة 3 أيام بسبب حزنه.
-تم إقناع السلطان مصطفى الثاني بالسلام واستغرقت المفاوضات الصعبة عامين. وتم التوقيع على معاهدة كارلويتس عام 1699، وكان الكاتب الرئيسي الذي يعادل وزير خارجية في العصر الحديث، رامي محمد باشا وهو دبلوماسي ماهر، المندوب العثماني في هذه المعاهدة، وتمكن بذكائه وخبرته من تقليل حجم الخسائر. وتم تعيينه فيما بعد الصدر الأعظم لجهوده.
-تسببت الهزيمة العسكرية بإصابة السلطان مصطفى الثاني باكتئاب شديد، وعاش في يأس وضيق نفسي وقهر، وترك شؤون الدولة بيد أستاذه شيخ الإسلام فيض الله أفندي الذي كان يحترمه ويثق به كثيراً، وكان عالماً وقانونياً فذاً، لكنه كان طموحاً للغاية، فأعطى مناصب عالية في السلطة لأقاربه، وبالرغم من أن هؤلاء الأشخاص كانوا مؤهلين بالفعل لتلك المناصب، لكن نشأ حسد وعداء كبير بين الأقارب الآخرين.
- حدثت اضطرابات في بعض الولايات النصرانية التابعة للدولة العثمانية في چورچيا شرق الأناضول للتنافس على عرش هذه الولايات عام 1703م. فأرسلت الحكومة مجموعات كبيرة من الإنكشارية للمساعدة في السيطرة على الاضطرابات، وعند عودتهم من مهمتهم فوجئوا بتأجيل دفع مرتباتهم لوجود أزمة اقتصادية كبرى في الدولة، ارتفعت وتيرة الغضب عند قادة الإنكشارية، فقرَّروا القيام بانقلاب على السلطان، فتواصلوا مع بعض القضاة الشرعيين لاستصدار «فتاوى» بأن السلطان غير كفؤ في منصبه، وأنه أسلم أجزاء كثيرة من الدولة للنصارى في معاهدات السلام، وأنه ترك منصبه لغيره فيعتبر مضيِّعًا للأمانة. كما أصدروا فتاوى بجواز خروج الناس للاعتراض على السلطان من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اشترك الإنكشاريون وهؤلاء القضاة في الوصول إلى الناس، خاصة في إسطنبول، وحثِّهم على التمرد، واتسع التمرد المعروف باسم "حادثة أدرنة" حيث سار ما يقرب من 60.000 متمرد إلى أدرنة، فتدخلت والدة السلطان على الفور وذهبت إلى ابنها ونصحته بطرد فيض الله أفندي. فاستمع إلى والدته ونفى شيخ الإسلام مع أبنائه.
- لم يرغب السلطان الذي كان تحت إمرته جيش قوامه 80 ألف رجل، في إراقة أية دماء، ولم يكن يثق بأي من الجنود. فأخبر شقيقه الأمير أحمد على الفور أنه سيتخلى عن العرش. لكن المتمردون لم يرغبوا في أن يتولى الأمير أحمد العرش، مفضلين ابن السلطان السابق أحمد الثاني البالغ من العمر 11 عاماً. وكانوا يعرفون العلاقة الوثيقة بين السلطان مصطفى الثاني وشقيقه ويخشون أنه إذا تولى أحمد العرش، فإنه سينتقم من المتمردين وهو ما حدث في النهاية.
-استقر السلطان السابق وعائلته في قصر توبكابي الذي أخلاه شقيقه، وبعد أن عاش قرابة 6 أشهر في حزن، مات بسبب مرض في المثانة وكان عمره يزيد قليلاً عن 39 عاماً.