قدم لويس التاسع ملك فرنسا يقود جيشًا قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة لغزو مصر
-يزخر تاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة الأولى؛ بعشرات الفتوحات والمعارك والغزوات التي وقعت خلال شهر رمضان المبارك، وتحقق فيها انجازات كبيرة خالدة في ذاكرة الأيام، فأغلب الغزوات والمعارك التي قادها المسلمون في هذا الشهر الفضيل كانت تُكلَّل بالفوز والانتصار، حيث تجتمع لدى المجاهد الصائم فضيلتي مجاهـدةُ النفس ومجاهدةُ الأعداء، فإنِ انتصر تحقَّق له انتصاران؛ أولهما على هوى النفس، والثاني على أعداء الله، الموسوعة في هذا المنشور ترصد أهم الفتوحات والانتصارات التي حدثت خلال شهر رمضان.
-معركة المنصورة حدثت في شهر رمضان سنة 647هـ ضد الصليبيين، حيث قدم لويس التاسع ملك فرنسا يقود جيشًا قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة لغزو مصر.
-حين نزلت الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع على شواطئ المنصورة كان الصالح أيوب حاكم مصر يعاني من مرض السُّل، وكان يحارب الناصر الثاني الأيوبي ويحاصر مدينة حمص، فترك حصاره وعاد مسرعا إلى مصر، وعيّن على رأس الجيش وزيره ورجله الأمين الأمير فخر الدين بن الشيخ، وكان من عائلة مرموقة لها باع كبير في المشاركة السياسية والعسكرية وولاؤها كبير للأيوبيين في مصر والشام.
-تواصل الملك لويس التاسع مع المغول للضغط على الشرق الإسلامي من الجانبين، وواصل زحفه حتى استولى على دمياط سنة 1249م، وكان الصالح أيوب قد أمر الأمير فخر الدين بتحصين مدينة دمياط وإرسال أبناء قبيلة بني كنانة ليدافعوا عنها، وكانوا مشهورين بالقوة والشجاعة، وقد نزلت قوات الفرنسيين والصليبيين والإنجليز وغيرهم على سواحل دمياط الرملية، وبعد معركة خاطفة ضد مقدمة الجيوش والمتطوعة المسلمين انتصر الصليبيون، فاندحر المسلمون من البر الغربي لدمياط إلى البر الشرقي.
-ومن مدينة المنصورة بدأ الصالح أيوب والقائد العام للجيش الأمير فخر الدين بن الشيخ بإعادة لملمة الصفوف، ووضع خطة جديدة لمقاومة العدو تمثّلت في بادئ الأمر في حرب العصابات، وقد "انطلق البدو المشهورون في حرب العصابات يجوبون الريف، وتقدّموا حتى وصلوا أسوار دمياط، وقتلوا كل جندي من الفرنج أمكن لهم العثور عليه خارج أسوار دمياط، فاضطر الملك لويس لإقامة الحواجز، وحفر الخنادق حول معسكره لحمايته من إغارات البدو.
-توفي السلطان الصالح أيوب في تلك الأثناء، وتسلم ابنه وولي عهده توران شاه مقاليد الحكم، وفي تلك الأثناء قرر الأمير فخر الدين بن الشيخ المقاومة من المنصورة، والاستمرار في حروب العصابات، لكن يبدو أن أخبار وفاة السلطان الصالح أيوب قد بلغت أسماع الفرنسيين الذين انطلقوا من دمياط بعدما تركوا فيها حامية قوية باتجاه الجنوب، فاستولوا على فارسكور وشرمساح والبرمون، واستشهد الأمير فخر الدين بن الشيخ أثناء مقاومته هذا التقدم الفرنسي.
-شجعت هذه التطورات مقدمة الجيش الصليبي بقيادة روبرت دي أرتوا أخي الملك لويس التاسع على التقدم عبر بحر أشمون، ولم ينتظر عبور بقية الجيش بقيادة لويس طبقا للخطة الموضوعة، فبادر باقتحام المنصورة بقواته وعلى رأسها فرقة فرسان الداوية التي استُشهد على يديها قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين، لكن هذا الجيش الصليبي المتقدم وجد قوة جديدة بقيادة فرقة المماليك الأتراك على رأسهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري.
-يقول الدكتور علي الصلابي في كتابه (المغول بين الانتشار والانكسار) إن المسلمين أمروا عليهم الأمير بيبرس البندقاري، فأقام جنده في مراكز منيعة داخل المدينة، وانتظروا حتى تدفق الصليبيون إلى داخل المنصورة، ولما أدركوا أنهم بلغوا أسوار القلعة التي اتخذها المصريون مقراً لقيادتهم، خرج عليهم المماليك في الشوارع والحارات والدروب وأمعنوا في قتالهم، ولم يستطع الصليبيون أن يلتمسوا لهم سبيلاً إلا الفرار، فوقع الاضطراب بين الفرسان ولم يفلت من القتل إلا من ألقى بنفسه في النيل، فمات غريقاً أو كان يقاتل في أطراف المدينة، وكانت المنصورة مقبرة الجيش الصليبي.
-بقيت المعارك تُشن بين الجانبين، الصليبيون بقيادة لويس في الشمال والمسلمون في المنصورة، وبدأت المؤن والأقوات والغذاء يقل في المعسكر الصليبي، وانتشرت الأمراض والحمى، واستطاع المصريون قطع طريق الإمداد على السفن الصليبية التي كانت تأتي من دمياط لتمد الجيش الصليبي، بل استطاعت السفن الإسلامية أن تستولي على اثنتين وخمسين سفينة صليبية، وبذلك وقع الصليبيون في فخ أو كماشة المسلمين من الشمال والجنوب ومن جهة النيل في الشرق.
-حاول لويس التفاوض في هذا الموقف العصيب على أخذ القدس مقابل الانسحاب، لكن السلطان الجديد تورانشاه بن الصالح رفض هذا العرض، وانطلق الصليبيون هاربين نحو دمياط، لكن قوات المماليك كانت تتعقبهم وتتخطفهم بمنتهى الشجاعة والبسالة، وفي منطقة شرمساح وقُراها في منتصف المنطقة الواقعة بين المنصورة ودمياط دارت معركة كبرى سُحق فيها الجيش الصليبي بأكمله بين قتيل وأسير حتى سقط لويس التاسع في الأسر، وقد سيق مكبلا بالأغلال إلى مدينة المنصورة.
-توصل الطرفان في نهاية المطاف إلى عقد اتفاق صلح فرض المسلمون فيه بقيادة تورانشاه شروطهم، منها دفع مبلغ مئتي ألف دينار ذهبي فورا، ودفع مئتي ألف أخرى مقابل الإفراج عن الأسرى الصليبيين، ومنها تسليم دمياط، واستمرار الصلح بين الطرفين لمدة عشر سنوات.