فتوحات الأمة وانتصاراتها في رمضان: معركة البويب

فتوحات الأمة وانتصاراتها في رمضان: معركة البويب

معركة البويب بين المسلمين والفرس على ضفاف نهر الفرات بالعراق في 12 من رمضان سنة 13هـ

-يزخر تاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة الأولى؛ بعشرات الفتوحات والمعارك والغزوات التي وقعت خلال شهر رمضان المبارك، وتحقق فيها انجازات كبيرة خالدة في ذاكرة الأيام، فأغلب الغزوات والمعارك التي قادها المسلمون في هذا الشهر الفضيل كانت تُكلَّل بالفوز والانتصار، حيث تجتمع لدى المجاهد الصائم فضيلتي مجاهـدةُ النفس ومجاهدةُ الأعداء، فإنِ انتصر تحقَّق له انتصاران؛ أولهما على هوى النفس، والثاني على أعداء الله، الموسوعة في هذا المنشور ترصد أهم الفتوحات والانتصارات التي حدثت خلال شهر رمضان.

-معركة البويب بين المسلمين والفرس على ضفاف نهر الفرات بالعراق في 12 من رمضان سنة 13هـ، كانت من المعارك الحاسمة في تاريخ المسلمين، حدثت في خلافة عمر بن الخطاب، بعد معركة "الجسر" التي هزم فيها المسلمون أمام الفرس، فأمدّ القائد المسلم المثنىّ بن حارث الشيباني، بجرير بن عبد الله وقومه بجيلة، وعصمة بن عبد الله العنبي فيمن معه من قومه، وجماعات من أهل الردة التائبين، فالتقى المثنى بالفرس عند (البويب) مما يلي موضع الكوفة اليوم.

-كان الجيش الإسلامي في العراق بعد هزيمة الجسر قد انسحب بقيادة المثنى وعسكر بمنطقةٍ تُسمَّى مرج السباخ بين القادسيَّة وخفَّان، تتميَّز بأنَّها بالقرب من الصحراء، والجيش الفارسي لا يُجيد مهارة القتال فيها كما يُجيدها المسلمون، وظلَّ المثنَّى منتظرًا المدد القادم من المدينة، وفي هذه الأثناء علم الفرس من خلال جواسيسهم بالجيوش الإسلاميَّة التي في طريقها إلى المثنَّى، فاجتمع كبار رجال الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، وعرض القائدان الفارسيَّان رستم والفيرزان أمر تجمُّع الجيوش الإسلاميَّة على ملكة الفرس بوران، واستأذنها في إرسال جيشٍ قوامه الفرسان بقيادة مهران لملاقاة المثنَّى، فوافقت بوران على ذلك.

-تحرك مهران بجيشه من المدائن متجها إلى الحيرة، ووصل خبر هذا التحرك إلى المثنى بن حارثة فقدَّر أنَّ زحف الفرسان سيكون سريعا، فخرج من فوره يريد البويب وهو نهر صغير عبارة عن قناة تصريف لنهر الفرات، يصب أيام فيضانه في منطقة الجوف.

-كان جيش المثنى مكونا من ثمانية آلاف فارس وراجل، كلهم لم يقاتلوا الفرس من قبل، ونظر المثنى إلى الضفة الأخرى من الفرات حيث مِهرانُ وعسكره، وسأل رجلا من أهل العراق ما يقال للرقعة التي فيها مهران وعسكره فقال (بسوسيا) فقال المثنى: هَلَكَ مِهران نزل منزلا هو البسوس (وهى امرأة من العرب هاجت بسببها الحرب أربعين سنة فى الجاهلية بين حيين من العرب فضُرِبَ بها المثل فى الشؤم، فقيل: أشأم من البسوس).

-أقام المثنى بجيشه ممتثلا لأمر كان عمر قد أمره به؛ ألا يعبر المسلمون بحرا ولا جسرا إلا بعد نصر، فقد كانت للمسلمين غلطة كلفتهم الكثير في معركة الجسر، ولما طال مقام الفريقين كتب مِهرانُ إلى المثنى: إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم، فرد عليه المثنى «بل اعبروا» فعبر الفُرسُ ومعهم ثلاثة أفيال؛ وقام المثنى خطيبا في جيشه فقال لهم: «إنكم صُوّام وإن الصوم مُرِقَّةٌ مُضْعِفَةٌ (أي لا يجعل في الصائم جلدا على الحرب) وإني أرى أن تفطروا ثم تَقْوَوا بالطعام على قتال عدوكم»، فأفطروا، فأخذ يمر على الصفوف ويسويها كصفوف الصلاة، ويحفز المسلمين على القتال، ويحرضهم على الثبات أمام العدو، ويذكرهم الدار الآخرة ونعيم الجنة.

-التحم المسلمون والفرس مدة طويلة؛ ولم يكن جيش الفرس بالعدو الهيّن، بل طال القتال بينهم وبين المسلمين واشتد، فقال المثنى لرجلين من المسلمين إذا رأيتماني حملت على مِهران فاحملا معي، فحمل عليه المثنى فأزاله عن موضعه منهزما، حتى أدخله في ميمنة الجيش، استمر القتال حتى أفنى المسلمون جنود قلب جيش الفرس، وانفصلت الميمنة من جيشهم عن الميسرة، وبدأت كلتاهما تهتز لكثرة القتل في الفرس، ووقف المثنى في القلب بينهما ومعه رجال يبتهلون إلى الله ويسدون أي ثغرة تبدو في موضع من مواضع قوات المسلمين، وجعل المثنى يرسل إلى ميمنة المسلمين وميسرتهم من يقول لهم: «إن المثنى يقول لكم: هكذا عاداتكم في أمثالها انصروا الله ينصركم»؛ حتى هزم الفرس، وأخذوا في الفرار يريدون عبور النهر من فوق الجسر إلى الناحية الأخرى، فسبقهم المثنى فيمن معه إلى الجسر ليمنع عبورهم، وجالت فيهم خيول المسلمين إلى الليل ومن الغد إلى الليل حتى أبادوهم؛ فما كانت بين العرب والعجم موقعة أبقى أثرا منها.

شارك المقال

مواضيع ذات صلة

أقسام الموقع