رزحت المنطقة العربية في ظل الاحتلال العثماني لمدةٍ تفوق الأربعة قرون، إلى أن انطلقت الثورة العربية الكبرى.
- رزحت المنطقة العربية في ظل الاحتلال العثماني لمدةٍ تفوق الأربعة قرون، إلى أن انطلقت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين عام 1916 من مدينة مكة، إذ كانت أول حركةٍ عربيةٍ ثوريةٍ ناجحةٍ ضد الاحتلال العثماني خلال الفترة الحرب العالمية الأولى.
لمحة عن الدولة العثمانية
- هي دولةٌ قويةٌ أنشأتها القبائل التركية في منطقة الأناضول، نمت وتوسعت خلال ستة قرونٍ لتضم مناطق واسعةٍ من جنوب شرق أوروبا حتى فيينا، بما في ذلك المجر ومنطقة البلقان واليونان وبعضًا من أوكرانيا، كما دامت سيطرتها على المنطقة العربية التي تشمل العراق بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا بالإضافة إلى مناطق واسعةٍ من شبه الجزيرة العربية، إلى حين انهيارها عام 1922 كأحد مفرزات الحرب العالمية الأولى وحل محلها الدولة التركية الحديثة.
موقف الدولة العثمانية والعرب من الحرب العالمية الأولى
- اندلعت الحرب العالمية في صيف عام 1914 بين قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا) وقوات المحور (ألمانيا والنمسا والمجر)، ثمّ تتالى دخول الدول في هذه الحرب التي شملت لاحقًا معظم دول أوروبا مرورًا بروسيا والولايات المتحدة والشرق الأوسط وتركيا واليابان.
- كانت الشخصيات المهيمنة في الحكومة العثمانية تميل نحو ألمانيا، وتشعر بالقلق إزاء طموحات روسيا للسيطرة على القسطنطينية، ولذلك في 2 آب/أغسطس عام 1914 تمّ إبرام اتفاق تحالفٍ سرّيٍّ بين ألمانيا والدولة العثمانية في القسطنطينية.
أسباب اندلاع الثورة
- في 7 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1914 أعلن شيخ الإسلام في إسطنبول الجهاد ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا باعتبار أن هذه الدول هي أعداءٌ للإسلام، عندها بدأت بريطانيا بالبحث عن شخصيةٍ عربيةٍ مسلمةٍ ومؤثرةٍ لتقف بصف الحلفاء وتزعزع الوضع الداخلي في الدولة العثمانية، إذ كانت بريطانيا تخاف من تأثّر المسلمين في الأماكن التي تسيطر عليها بفتوى إسطنبول.
- استغلت بريطانيا السياسات التي كانت تنتهجها السلطنة العثمانية تجاه العرب كمحاولة منع تعليم اللغة العربية بشكلٍ رسميٍّ في المدارس واعتماد سياسة التتريك وتدهور الوضع الاقتصادي وانتشار الفقر بين العرب في حين كان كبار الدولة العثمانية ينعمون بالرخاء ومن ناحيةٍ أخرى اعتقال العديد من الرموز العربية في دمشق وبيروت، بالإضافة إلى انشاء سكة الحجاز التي تربط دمشق ومكة ما يسهل تنقل القوات التركية في قلب الوطن العربي.
الشريف حسين، الشخصية الأمثل لقيادة الثورة
- كان أمير مكة الشريف حسين الهاشميّ هو الشخصية الأمثل لقيادة الثورة ولعب دور الحليف إلى جانب بريطانيا بوجه العثمانيين، لتمتعه بنفوذٍ كبيرٍ بين قبائل الحجاز كونه سليلًا للنبي محمد خلافًا للسلطان العثماني، بالإضافة إلى السخط الكبير في الشارع العربي تجاه الإجراءات التي يقوم بها جمال باشا السفاح في كل من سوريا ولبنان ما هيّأ الأجواء لقبول العرب بالمقترحات البريطانية.
- وضع دخول الأتراك في الحرب الشريف حسين أمام خيارين: أما أن يستجيب للدعوة إلى الجهاد التي أطلقت في إسطنبول والوقوف إلى جانب السلطان العثماني على أمل إرضاء السلطات العثمانية للتطلعات العربية، أو الوقوف إلى جانب الحلفاء الذين وعدوا بمساعدة العرب على نيل استقلالهم.
قُبيل انطلاق الثورة العربية
- قبل أن يقوم الشريف حسين باتخاذ أي موقفٍ من الحرب قام بإرسال مبعوثيه إلى كلٍ من سوريا والعراق وباقي أنحاء المناطق العربية للتشاور معهم بهذا الخصوص، وغالبًا ما كان يؤكّد على كون هذه الثورة التي يعمل على اطلاقها ذات أهدافٍ قوميةٍ عربيةٍ وبعيدةٍ عن كونها ذات طابعٍ إسلاميٍّ مناهضٍ للخليفة، بل هي تحركٌ عربيٌّ ضد الأتراك.
- وصل فيصل نجل الشريف حسين إلى دمشق عام 1915، والتقى بقادة جمعية الفتاة ولاحقًا أدى قسم الانضمام إلى الجمعية.
- بعد العديد من المناقشات السرية التي أجروها تمّت صياغة بروتوكول دمشق الذي يتضمن المطالب الواجب إيصالها للبريطانيين واستعداد المجتمع السوري لبدء ثورةٍ ضد العثمانيين، كما تابع الشريف حسين اتصالاته مع باقي الزعامات العربية في منطقة شمر ونجد والإسكندرية والكويت.
مراسلات الحسين مكماهون
- تم تبادل الرسائل بين الشريف حسين والمندوب السامي البريطاني في مصر هنري مكماهون في الفترة بين تموز عام 1915 وآذار 1916 والتي عرفت باسم مراسلات الحسين مكماهون.
- من خلال هذه الرسائل طالب الحسين باستقلال المناطق الناطقة باللغة العربية الواقعة شرق مصر، إلّا أنّ مكماهون أصرّ على أن بعض المناطق لن يتم إدراجها ضمن متطلبات الحسين مراعاةً للمصالح الفرنسية، بالإضافة إلى المصالح البريطانية في بغداد والبصرة والتي يتمتع بوضعٍ خاص، وهذا ما تأتى عنه نزاعاتٍ كبيرةً في السنوات التالية.
- لم يتم ذكر فلسطين بشكلٍ صريحٍ في هذه المراسلات لأنها لم تكن تشكّل تقسيمًا إداريًا عثمانيًا، على الرغم من ذلك فيبدو أنّ الشريف حسين كان مقتنعًا بما فيه الكفاية بالدعم البريطاني ما أدى إلى إعلان بدء تمرده ضد العثمانيين في حزيران عام 1916، إلا أن عدم الوضوح المتّبع من قبل بريطانيا وتضارب المصالح بينها وبين فرنسا عام 1916 كانت عواملًا أساسيةً للتوصل إلى اتفاقية سايكس بيكو وفي وقتٍ لاحقٍ إعلان بلفور الذي أكد على إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
انطلاقة الثورة العربية الكبرى
- كان على الشريف حسين التصرف إزاء القوة التركية الألمانية التي كانت على وشك الوصول إلى الحجاز وهي بطريقها إلى اليمن.
- رفع الشريف حسين علم الثورة العربية في 10 حزيران عام 1916، كان التأثير الفوري للثورة في شبه الجزيرة كبيرًا في كانون الأول عام 1916 وصل صراع الحجاز إلى أزمةٍ كبيرةٍ، أمّا في العراق لم يكن هناك استجابةٌ للثورة، وفي سوريا فقد كانت تحت سيطرةٍ تركيةٍ صارمةٍ إلا أنّ دورها في الثورة كان كبيرًا فيما بعد.
أحداث الثورة
- بدايةً استسلمت الحامية العسكرية التركية في مكة وكذلك في جدة وبعض المدن الأخرى إذ حصل ذلك في الأسابيع الأولى من التمرد، لم تبقى سوى المدينة تحت سيطرة العثمانيين حتى نهاية الحرب.
- استطاعت القوات العثمانية جرّ القوات العربية المناوئة إلى آخر موقعٍ مطل على البحر الأحمر وهو ميناء ينبع، إلا أنّ البحرية الملكية البريطانية قامت بتجميع خمس سفنٍ حربيةٍ قبالة الميناء الصغير لردع الجيش العثماني.
- قام البريطانيين على الرغم من نظرتهم المتناقضة تجاه موضوع الجهاد بتقديم الدعم الفني لحركة التمرد العربي /البنادق والقطع البحرية والسيارات المدرعة وغيرها/ بالإضافة إلى تقديم الخبرة في مجال المتفجرات لتدمير سكة حديد الحجاز، إلا أنّ القتال الفعلي كان للجنود العرب.
- كان الشريف حسين يأمل بدعم قوات الحلفاء لإشعال الانتفاضة ضد الأتراك في سوريا أيضا، إلا أنّ ذلك لم يتحقق بسبب المعارضة الفرنسية لأي تدخلٍ غير فرنسيٍّ في سوريا، واستمر الأتراك بسياسة القبضة الحديدية المتبعة في سوريا ولذلك بقيت الثورة في هذه الفترة محصورةً بالحجاز.
- في الثاني تشرين الثاني تم إعلان الشريف حسين ملك الدول العربية من قبل إتباعه، وهم عبارةٌ عن عددٍ من الشخصيات الدينية والعلمانية البارزة، وهذا ما اعتبر خطوةً مستغربةً من قبل البريطانيين والفرنسيين، إلّا أنّه في النهاية تم الاعتراف بالشريف حسين ملك الحجاز.
- في العراق قام البريطانيون باحتلال بغداد التي بررت ذلك بأنّه إجراءٌ احترازيٌّ مؤقتٌ، وبين عامي 1916 و1917 انضم لجيش الشريف حسين عدد من الضباط الوطنيين في سوريا وفلسطين ممن كانوا في الجيش العثمانيين.
- تقدمت قوات الحلفاء تحت قيادة إدموند ألنبي إلى فلسطين للاستيلاء على القدس في 9 كانون الأول إلّا أن الشتاء القارس وتشديد المقاومة التركية الألمانية ساهمت في تأخيره عن تحقيق مساعيه، في النهاية استأنف تقدمه لطرد الأتراك من سوريا في أيلول عام 1918 إلى أن سقطت دمشق في الأول من تشرين الأول ثمّ تلتها بيروت وحلب في 8 و26 من الشهر نفسه.
اقتراب الثورة العربية الكبرى من تحقيق أهدافها
- توقف تقدم القوات العربية في 30 تشرين الأول عام 1918 عندما استسلمت تركيا من خلال التوقيع على هدنة مودروس كما بدأ العمل على تأليف أول حكومةٍ عربيةٍ في بيروت ورفع أول العلم على سرايا بيروت.
ما بعد الثورة العربية الكبرى
- تمكّن الثوار من طرد العثمانيين من منطقة الحجاز ومناطق شرق الأردن واقترب العرب من إقامة الدولة العربية الموحدة في الجزيرة والمشرق، إلا أن النفوذ البريطاني – الفرنسي وقف في وجه هذه الطموحات.
- تمّ وضع العراق تحت إدارة أنجلو – هندية واحدة على رأسها مفوض مدني بريطاني، كما وضعت موانئ حيفا وعكا وجزء من فلسطين والمنطقة الجنوبية ما بين كركوك وعمان تحت السيطرة البريطانية، أما المنطقة الغربية أي سواحل سوريا ولبنان من صورٍ جنوبًا إلى كليكيا شمالاً تحت السيطرة الفرنسية، والمنطقة الشرقية تمتد من العقبة حتى حلب تحت إدارة فيصل، في حين كان من المفترض وضع القدس والباقي من فلسطين تحت شكلٍ من أشكال التنظيم الدولي.
- الثورة العربية الكبرى بالإضافة إلى تصاعد الدور الغربي المتمثل ببريطانيا وفرنسا وفي المقابل انهيار السلطنة العثمانية تعد الانطلاقة الأولى لتحديد شكل منطقة الشرق الأوسط حتى وقتنا الحالي تعد الانطلاقة الأولى لتحديد شكل منطقة الشرق الأوسط حتى وقتنا الحالي، متمثلة بتبعاتها التي حصلت ابتداءً بتطبيق اتفاقية سايكس – بيكو وانتهاءً بوعد بلفور.