تولى محمد چلبي عرش الدولة العثمانية بعد فترة صراع بينه وبين إخوته دامت نحو 11 سنة
-تولى محمد چلبي عرش الدولة العثمانية بعد فترة صراع بينه وبين إخوته دامت نحو 11 سنة (804 - 816هـ \ 1402 - 1413م)، عُرفت باسم "عهد الفترة"، وهي فترة عقيمة في التاريخ العثماني، إذ لم تحصل فيها فتوحات.
- أعاد تيمورلنك أمراء آسيا الصغرى الى أملاكهم السابقة، ومن ثم استرجاع الإمارات التي ضمها بايزيد لاستقلالها، كما بذر بذور الشقاق بين أبناء بايزيد المتنازعين على العرش، وانتهزت الولايات الأوربية التي تحت الحكم العثماني ما حل بالدولة فأعلنت استقلالها، وهي البلغار والصرب والأفلاق، فانكمشت الدولة العثمانية.
-كان للسلطان بايزيد خمسة أبناء اشتركوا معه في القتال، أما ابنه مصطفى فيقال أنه قتل في المعركة مع تيمورلنك، أما موسى فقد أسر مع والده، ونجح الثلاثة الآخرون في الفرار، وهم (محمد وسليمان وعيسى).
أكبرهم سليمان استقل بالجزء الأوربي من الدولة العثمانية بما فيها مدينة أدرنة، وأعلن نفسه سلطاناً فيها، وعقد حلفاً مع مانويل الثاني إمبراطور بيزنطة ليساعده ضد إخوته، وأعطاه في سبيل ذلك مدينة سالونيك وبعض سواحل البحر الأسود وتزوج من إحدى قريباته، عيسى أعلن نفسه سلطاناً في مدينة بورصة وأعلن للناس أنه خليفة أبيه، محمد الذي كان مختبئاً في الأناضول، خرج ومن معه من الجند وقاتل ما بقي من التتار، وتمكن من السيطرة على توقات وأماسب، واستطاع تخليص أخيه موسى من الأسر وسار لمحاربة إخوته.
-استطاع محمد أن ينتصر على أخيه عيسى بعد عدة معارك بينهما وقتله، ثم أرسل جيشاً بقيادة أخيه موسى لمحاربة أخيهما سليمان، فانتصر عليه وقتل سليمان على أبواب أدرنة عام 813هـ / 1410م.
-انفرد السلطان محمد جلبي الغازي، المولود سنة 781هـ / 1379م بما بقي من بلاد آل عثمان، ليكون خامس سلاطين آل عثمان، وهو صاحب بدن قوي يمارس المصارعة لذلك أطلق عليه لقب "كرشجي" أي المصارع، كما اشترك أثناء حكمه في 24 حرباً، وأصيب بأربعين جرحاً.
-قضي سني حكمه الثمانية في إعادة بناء الدولة وتوطيد أركانها، لذا يعتبره بعض المؤرخين المؤسس الثاني للدولة العثمانية، واتبع سياسة المهادنة والمسالمة مع القوى المجاورة، بهدف إعادة بناء الدولة وتقويتها من الداخل، فخاطب مبعوثي جمهوريات البندقية وجنوة وراجوزة وممثلي الصرب والأفلاق ورسول دوقة ألبانيا الذين جاءوا يباركون انتصاره على أخيه موسى قائلا: "قولوا لحكامكم وأمرائكم إني أريد السلام معهم، والذي لا يريد السلام فخصمه الله راعي السلام الأكبر".
-سالم مانويل الأول إمبراطور القسطنطينية وحالفه، والتزم باتفاقية اسكدار التي وقعها معه عام 814هـ / 1411م، فأعاد إليه بعض المدن على شاطئ البحر الأسود التي كان الأمير موسى قد سيطر عليها، كما أعاد إليه ضواحي سيلانيك، كما صالح البندقية بعد هزيمة أسطوله أمام كليتبولي وعقد اتفاق تعهدا كل منهما بعدم المساس بسفن الآخر، كما قمع الفتن والثورات في آسيا وأوروبا وأخضع بعض الإمارات الآسيوية التي أحياها تيمورلنك ودانت له بالطاعة والولاء.
-بسبب خشية الأوربيين من عودة قوة السلطنة العثمانية، وجه الإمبراطور الألماني سيغموند، بمساندة المجر والهرسك جيشه ضد العثمانيين، فتصدى له المجاهد إسحق بيك، ووقعت معركة "ديبوي" في شمال البوسنة، فهزم الأوربيون، فأعلن دوق الهرسك خضوعه للسلطان العثماني، وبدأ إعمار مدينة سراي البوسنة المعروفة حاليا باسم (سراييفو) لتكون مدينة إسلامية، وقاعدة للفتوحات، فتم تحوليها من قرية منسية إلى حاضرة إسلامية تحمل سمات المدينة الإسلامية بشكل كامل، واجتاز السلطان نهر الدانوب شمالًا، فاستولى على رومانيا، واجتاحت قواته ميناء تريستا، ووصلت إلى ترانسلفانيا بقيادة المجاهد إسحاق بيك الذي استشهد هنالك.
-رغم الانتصارات التي حققها السلطان، وإعادة أمجاد الدولة التي تفككت، إلا أن الفتن الداخلية تواصلت، حيث قام أحد القضاة ويدعى بدر الدين بحركة يدعو فيها إلى مبادئ مشابهة للاشتراكية وتبنيها الفلسفة الوجودية، وتبعه في ذلك الكثير وخاصة من أصحاب الديانات الأخرى، وأحس السلطان باستفحال أمره فقاتله وانتصر عليه وقتله، بعد أن اصدرت المحكمة حكما بتكفيره، كما ظهر الأمير مصطفى بن السلطان بايزيد، وأدعى بانه أحق بالعرش أحق بالعرش من أخيه محمد، وأطلقت المصادر العثمانية عليه (دوزمة مصطفى) أي المزيف أو المنتحل، على اعتبار أن مصطفى قُتل في معركة أنقرة، بينما البحوث الحديثة أكدت أنه الابن الحقيقي للسلطان بايزيد الأول، وأطلق سراحه بعد وفاة تيمور لنك عام 807هـ / 1405م، فعاد إلى الأناضول، واختفى خلال مدة صراع الإخوة على العرش. ثم ظهر وأعلن أحقيته بالعرش من أخيه محمد وقاتله، وانضم إليه قرة جنيد، ودخل إلى بلاد اليونان، ولكنه هزم ففر إلى مانويل الثاني إمبراطور بيزنطة الذي رفض تسليمه إلى السلطان محمد حيث اتخذهما ورقة ضغط ضد السلطان محمد.
-بعد أن بذل السلطان محمد الأول قصارى جهده في محو آثار الفتن التي مرت بها الدولة العثمانية وشروعه في إجراء ترتيبات داخلية تضمن عدم حدوث شغب في المستقبل، وبينما كان السلطان مشتغلًا بهذه المهمام شعر بدنو أجله، فدعى الباشا بايزيد وقال له: "عينت ابني مراد خليفة لي فأطعه وكن صادقًا معه كما كنت معي. أريد منكم أن تأتونني بمراد الآن لأنني لا أستطيع أن أقوم من الفراش بعد. فإن وقع الأمر الإلهي قبل مجيئه حذاري أن تعلنوا وفاتي حتى يأتي"، ثم توفي سنة 824هـ / 1421م في مدينة أورنة وعمره 43 سنة، ونقل جثمانه إلى مدينة بورصة ودفن هناك في التربة المشهورة حتى الآن باسم (يشيل تربة) أي التربة الخضراء. وخوفًا من حصول ما لا تحمد عقباه لو عُلم موت السلطان محمد الأول اتفق وزيراه إبراهيم وبايزيد على إخفاء موته على الجند حتى يصل ابنه مراد الثاني، فأشاعا أن السلطان مريض، وأرسلا لابنه فحضر بعد واحد وأربعين يومًا واستلم مقاليد الحكم.